محمد حسن الحربي 

على مدى السنتين الماضيتين، كان هنالك أمل في الحوار السياسي في اليمن، وقد حدث مثل هذا الحوار غير مرة، لكن اغتيال علي عبدالله صالح بيد حلفائه «الحوثيين»- الرابع من ديسمبر2017 - قضى على هذا الأمل وأغلق باب الحوار، ليبقي باباً واحداً فقط مفتوحاً على مصراعيه هو باب الحسم العسكري. فلا حوار بعد اليوم مع مجموعة متمردة خارجة على القانون ومنقلبة على الشرعية باستخدام السلاح. إن حالا كهذه الحال القائمة اليوم ربما تفيد كثيراً أولئك المترددين والمتفرجين الذين لم يأخذوا بجدية حتى (ما قبل صالح) أبعاد الخطر الداهم في اليمن، على دول منطقة الجزيرة والخليج العربية، من أن هنالك مخططاً سياسياً للهيمنة على المنطقة ومقدراتها، تتبناه وتدفع إلى تحقيقيه إيران انطلاقاً من اليمن. هذه هي الحقيقة الواضحة لدى القادة السياسيين والعسكريين في المنطقة، لكن على شعوب المنطقة اليوم أن تعلم الحقيقة أيضاً وتعي الأبعاد المدمرة لهذا المخطط الإيراني متى تحقق منه شيئاً على الأرض لا سمح الله.

المطلوب من شعوب المنطقة أن تبذل جهداً مضاعفاً لتكون على مستوى الحدث في التفافها حول قيادتها السياسية لإنجاز مهمة كبيرة ومصيرية كهذه، وعليها في الوقت نفسه العلم بأن ما يحدث هو في حقيقته ليس خلافاً دينياً طائفياً ـ سنياً شيعياً - كما دأبت على تروّيجه وسائل إعلام وتواصل اجتماعي ومواقع إلكترونية مريبة، فما تفعله هذه الوسائل ما هو إلاّ تسطيح وإلهاء وحرفاًً للبوصلة عن اتجاهها الصحيح.

والحقيقة هي أن هنالك قوة إقليمية ترغب في توسيع نفوذها للهيمنة السياسية على منطقة الخليج والقيام بدور الشرطي فيها، ودور كهذا ليس جديداً عليها كما يعلم الجميع في منطقتنا العربية، حيث سبق لإيران أن حاولت القيام بأدوار مشابهة من قبل في عهد الشاهنشاه رضا بهلوي 1919 - -1980، لكن الذي تغيّر اليوم في إيران هو أن الشعار أصبح إسلامياً وأخذ الدين واجهةً تتلطى خلفها حركة قومية فارسية مشتعلة (هايبر) تقوم على أساس عنصري. وعودٌ على بدء ليصبح سؤالنا التالي مشروعاً: هل قرار تصفية علي عبدالله صالح بهذه الصورة الوحشية، كان قراراً إيرانيا؟

نموذج ما حدث للرئيس العراقي في بغداد ليس بعيداً. على أية حال إجابة من هذا النوع عادة ما تترك للتاريخ. لكن دعونا نتخيّل الخطر الذي يجري الإعداد له في اليمن، خاصرة جزيرة العرب، فيما لو تسرب هذا اليمن من بين أيدينا رغم حرصنا على ألا يحدث ذلك - ولن يحدث ما دامت الإرادة صلبة والرؤية واضحة والبوصلة سليمة - لنتخيل أن جهودنا قصّرت عن أن تثمر في جانب من جوانب الوضع الراهن في اليمن، فما الذي سنراه - لا سمح الله - يتخلّق أمام أبصارنا من واقع جديد؟ الإمامة المتخلفة في وجهها المتوحش ولحيتها المخضبة بأنين الضحايا اليمنيين، وقد اضمرت الانتقام بأبشع صورة من كل أحد في جزيرة العرب، بعدما وضعت يدها على خزان بشري كبير سيجري إعداده واستخدامه في شن غارات بدائية لا تنتهي!. هذا الكابوس هو ما ينتظر الشعب اليمني وشعوب الجزيرة والخليج العربية، إذا ما وهنت الإرادة ولجمت عمل الآلة العسكرية على الأرض.