محمد صلاح

مع اقتراب الذكرى السادسة لأحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011 في مصر، يبقى السؤال قائماً حول مدى قدرة «الإخوان المسلمين» على العودة إلى المشهد السياسي، والتأثير في الناس وتحريك الجماهير وإشاعة الفوضى وإضعاف أجهزة الدولة، ومن ثم القفز مرة أخرى إلى مقعد السلطة. 

وبعيداً من تنظير من يحللون الواقع المصري من دون أن يدركوا حجم السخط الشعبي على «الإخوان»، أو من يعبرون عن أمنيات أكثر من قدرتهم على قراءة تغييرات طرأت على أرض الواقع في ربوع مصر وبين نسيجها الشعبي، فإن المؤكد أن «الإخوان» لم يعد لهم تأثير سياسي، أو قل إنهم خرجوا من ذلك المشهد، لكنهم ما زالوا يحتفظون بمقدار من التأثير في الأوضاع الأمنية، فالأجنحة العسكرية التي خرجت من عباءة الجماعة، عقب ثورة الشعب المصري على حكم «الإخوان»، أضيفت إلى جماعات وتنظيمات راديكالية أخرى كانت جرائمها على مدى عقود تصب في مصلحة «الإخوان» الذين ظلوا يستثمرون الأعمال الإرهابية للضغط على الحكم وإظهاره أمام الغرب والقوى الخارجية غير قادر على حفظ الأمن.

ما زال خطر الإرهاب قائماً، وإن انخفضت وتيرة الأعمال الإرهابية، لكن حسم المعركة ضد الإرهاب يحتاج وقتاً طويلاً لارتباط الظاهرة بدول أخرى إقليمياً ودولياً، ومع ذلك خرج «الإخوان» تماماً من المشهد السياسي في مصر، ولم يتبق لهم سوى استغلال الآلة الإعلامية القطرية والفضائيات التي تنفق عليها قطر وتُبث من الدوحة وإسطنبول ولندن بتكرار خطاب إعلامي أصبح من يتعرض له يصاب بالملل والرتابة، ناهيك بالطبع عما يحويه من أكاذيب وتزييف وفبركات. 

في الشارع المصري لم يعد لدى «الإخوان» قدرة على تنظيم تظاهرات، وكل دعوة أطلقتها الجماعة لتحريض الناس على التظاهر في مناسبات بعينها كذكرى فض اعتصام رابعة أو سجن محمد مرسي أو أحداث 25 كانون الثاني 2011، قوبلت كلها ليس فقط بالرفض أو التجاهل، وإنما أيضاً بالسخرية والتهكم من جانب مواطنين انتفضوا ضد حكم «الإخوان»، بعدما أدركوا أن الجماعة في سبيلها لإسقاط الدولة بإصرارها على «أخونة» الجيش والشرطة والسيطرة على المؤسسات والانطلاق من مصر لتصدير الفوضى والاضطرابات إلى المجتمعات العربية الأخرى تمهيداً للقفز على مقاعد السلطة فيها، وحتى المسيرات المحدودة لنساء الجماعة وأطفالها، والتي اعتمدها التنظيم أسلوباً لإثبات الوجود والإيحاء بالحضور لمجرد بث صورها عبر القنوات القطرية، اختفت ولم يعد لها أثر، بعدما فُرقت بواسطة مواطنين أدركوا اللعبة وقرروا التصدي لها. 

باختصار، فطِنَ الناس في مصر إلى كل الوسائل التي اعتمدها «الإخوان» وغيرهم من القوى الأخرى، إضافة إلى الجهات الغربية التي حركت الربيع العربي، ولم تعد تنطلي عليهم وسائل الخداع وبرامج الإثارة، كما أن «الإخوان» وإن كان رموزهم في الخارج يتمتعون بحرية التنقل وسهولة العيش وكثافة الحضور التلفزيوني وما زال بعضهم يجول كل فترة في أروقة المؤسسات الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، فإنهم تعرضوا لضربة شديدة داخل مصر أثرت بقوة في نشاطهم وأفقدتهم القدرة على التحرك، ليس فقط لأسباب أمنية أو نتيجة الملاحقات القضائية، ولكن الأهم من ذلك الرفض الشعبي والنفور الجماهيري منهم نتيجة الأحوال التي عاناها المصريون بعدما تورطت الجماعة في أعمال عنف وحرائق واضطرابات هددت سلامة الدولة.

اللافت أن الجماعة التي منيت بهزيمة ساحقة صارت تركز في نشاطها على إسقاط الدولة المصرية، وليس إعادة بناء الجماعة، والإساءة إلى السيسي وليس الاعتذار عن خطايا قادتها ورموزها، والدفاع عن المواقف التركية والسياسات القطرية وليس إعلان التراجع عن الإرهاب والتخريب وتصحيح الأخطاء التي أدت إلى خسارة التعاطف الشعبي والالتفاف الجماهيري، وفي سبيلها لتحقيق كل ذلك فإنها تتأرجح بين اتهام الحكم في مصر بـ «العمالة» للولايات المتحدة وبين الترويج لاعتراض الإدارة الأميركية على سياسات مصر وقرارات السيسي، وبين التأكيد أن مرسي سيعود إلى القصر يوم الأحد وبين الترويج لكل شخص يلوح بنية الترشح لمنافسة السيسي!

يتصرف «الإخوان» وكأن كل الناس صاروا بلا عقول تفكر وتحلل وترصد وتخرج بنتائج. تعيش الجماعة عالماً افتراضياً تماهت فيه مصالحها مع المصالح والخطط التركية والقطرية، وتسوق خطاباً سياسياً لا يمكن أن يصدقه إلا ذلك الكائن «الإخواني» الذي يلبي أوامر مرشده أملاً في الدخول إلى الجنة!