سمير عطا الله

منح السير بيتر مدوّر نوبل الطب لأبحاثه الرائدة في زرع الجلد الغريب، ثم جاء إلى لبنان لزيارة بلد والده، نقولا، في جونية. وجه إليه الدعوة، رجل الأعمال والسياسة إميل البستاني، الذي كان يحذق التقاط ذرات الذهب في الأثير، وليس في المناجم. وكاد يصبح أحد أشرف رؤساء لبنان لولا اثنان: القدر ولبنان.

ذهبت أجري مقابلة مع السير بيتر في فندق «سان جورج» حيث يقيم ضيفاً على إميل بستاني، أحد أصحاب الفندق. كان يجلس مع زوجته على الشرفة. وما أن انضممت إليهما، حتى تأملتني زوجته ثم تطلعت إليه قائلة بنبرة حادة: بيتر! وترجمتها، إن هذا الولد لن يفهم عليك شيئاً، فما علاقته بالأبحاث العلمية. وبكل تواضع، قال السير بيتر لزوجته: «عزيزتي». وترجمتها، إن هذا الفتى المسكين قد حضر الآن، فكيف لي أن أرده خائباً. فليطرح من الأسئلة ما يعرف ثم ينقل ما يسمع. لا خطورة في الأمر.

وطرحت السؤال الأول، فيما كانت المسز مدور تجلس متوثبة مثل لبؤة تحتضن أشبالها. ومرَّ السؤال الأول بسلام: عن جذور السير بيتر، وليس عن أبحاثه. ضحك السير بيتر قائلاً: إن والده كان «بائع أسنان اصطناعية» في البرازيل. ثم جاء إلى لندن وتزوج من فتاة بريطانية. تخيلت فوراً أن أمه كانت تشبه زوجته، التي ما زالت متوثبة وقلقة: كيف ستظهر أقوال بيتر غداً في الصحافة اللبنانية؟ ألم تجد الجريدة محرراً أكبر سناً من هذا؟ 

وكان السير بيتر مستمراً في إنقاذ الموقف مثل لورد في بلاط الملكة، يحدثني وكأنه يجيب عن أسئلة مراسل «التايمز». ومن حسن حظ السير بيتر وحظ الليدي مدور وحظي أن المقابلة انتهت في سرعة. فأنا لم أكن أريد أن أشرح للناس كيف يمكن للجلد ألا يرفض جزءاً غريباً، وإنما أن أنقل إليهم انطباعات هذا اللبناني الأصل الذي حاز نوبل وأصبح أحد رواد الطب في التاريخ. ومع ذلك أصرت الليدي مدور: هل يمكن أن نقرأ المقابلة قبل نشرها؟ وقلت لها: لا يمكن، وكفى إهانات. وتدخل السير بيتر من جديد: «عزيزتي...». وترجمتها، دعي هذا الفتى وشأنه.

عام 1984 دخل علينا في مكتب «الصياد» في لندن، رجل يريد مقابلة رئيس التحرير. عرفني بنفسه سائلاً، هل أعرف شيئاً عن والده، بيتر مدور. كم هو عالم صغير. سألته عن أحوال السير بيتر، فقال إن الرجل العبقري دخل غابة النسيان. قلت له، تحياتي إلى الوالدة. لعلها تتذكر.