عبدالله بشارة

 ظل الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح، منذ عرفته في الستينات من القرن الماضي، ملتصقاً بفن التنقيب عن النادر من التراث الاسلامي، متجولاً في وديان الهند وقصور المهرجا ومراكز الدراسات في آسيا، بما فيها الأجنحة المخفية في الجمهوريات الاسلامية السوفيتية السابقة، ومن خلال الولع العميق باكتشاف المخفي من كنوز الآثار ومعرفة الوصول إليها.


ظل الشيخ ناصر في تشييد علاقات خاصة مع تلك الدول المطلة على طريق الحرير والحاضنة لأفضل الذخائر من مخطوطات الإرث الاسلامي العالي.
وكنت أستمع إليه يتحدث عن غرائب المفاجآت في تلك الديار الاسلامية القديمة، التي لم تشد الاهتمام المستحق، وتحوّل الشيخ ناصر مع الممارسة وعاطفة الهواية إلى خبير، كسبت معرفته واقع التعايش مع تلك البقع الاسلامية الغامضة.
ونعترف بأن طغيان الهواية وغريزة البحث والتنقيب فتحتا له أبواباً واسعة ليدخل في فضاء بلا سقف مع مختلف الطبقات في حوارات تبدأ بالآثار وتتعمق في السياسة ومع كل الأطياف، ومارسها في كل المناطق وتابعناها في الكويت متحرّكاً تجاه من لهم إيديولوجيات مستوردة ومن لهم مواقف متشدّدة ومن لهم طموحات مستبعدة.
وصارت له دراية بمعانٍ مختلف الألوان في السياسة المحلية، وأصبحت له أيضا حاسة سياسية (رادار) خاصة به مكّنته من التوافق مع الجميع، وقدّم نفسه صاحب منصّة جامعة في حذر من الانزلاق إلى ملوثات السياسة.
كنت خارج الكويت عند إعلان التشكيل الوزاري، وتوقفت مع بروزه نائباً أول سحبته الضرورة من ميدان الآثار العفيفة إلى محطة المتاعب والشقاوة، ويصبح الآن في مواجهة مع واقع، سعى كثيراً للابتعاد عنه.
هناك ثلاثة مسارات لها أولوية وتناسب طبائعه، وتلتقي بطموحاته، أرجو أن تشكّل الملف الخاص به:
أولا – لا مكان في السعي السياسي لشيء اسمه الملل والضجر، وإنما الاصرار على حماية الأهداف واحترام القناعة وضرورة وقاية المرتكزات التي يستند إليها النظام السياسي في الشرعية الدستورية، وفي استقامة السلوكيات للقيادات من أبناء الأسرة وخارجها، وفي إزالة الشكوك حول جدارتها والحفاظ على براءة الذمة لكل منها، مع تعميق التواصل مع كل الأطياف يأتي من إدراك بأن قوة الكويت في وحدتها الوطنية، ويتم ذلك بالامتثال إلى القانون، فالكل سواسية، والجميع تحت إمرة القانون، ويعرف الشيخ ناصر بأن التوافق المجتمعي الشامل هو ثمرة سيادة القانون، وأن المؤذيات تأتي للنظام من تفريط في قوة القانون، فالبديل هو التسيّب الذي يفرز التطاول والاستخفاف بكيان الدولة.
ثانياً – أرجو من الشيخ ناصر أن يشارك رئيس مجلس الوزراء بقيادة مسار الحكومة في المداولات والمناقشات البرلمانية وأن يتولى شرح جداول الأعمال الكبرى المرتبطة بالتنمية والتطوير السياسي والاجتماعي، وأن يتلاحم ذلك مع هيبة الحكم ومنبعها الالتزام بالدستور والوقوف ضد انتهاك روحه ونصوصه، لا سيما من نواب الخدمات المستفيدين من خرق القوانين، أصحاب الشهية بالتجنيس الاعتباطي والصرف الارتجالي من المال العام.
المطلوب ممارسة برلمانية نظيفة في دولة مدنية نظيفة، تمتثل لاملاءات دستورية يحترمها الجميع.
ثالثاً – يعرف الشيخ ناصر أن أكبر المعوقات في المجال المستقبلي ينبع من التأخير في تنفيذ القرارات وتأجيل المستعجل والبطء في العجلة البيروقراطية وتلاشي الاهتمام وضياع المتابعة.
منذ أسابيع تحدث الشيخ ناصر عن طريق الحرير ومحطته في الكويت عبر مدينة جديدة، وسمعنا الكثير عن الجزر وضاعت الآمال مع تأجيلات مستمرة أدخلت اليأس.
يضع الرأي العام الكويتي في تصوره لوجود الشيخ ناصر بأنه الحارس للمرجعية التنموية وأن عهد التأجيلات انتهى بوصوله.
نتكلم بوضوح، فالمطلوب من الشيخ ناصر وضع الملف الداخلي التنموي رفيقاً له في حله وترحاله، لأن الدبلوماسية الأمنية التي تتبناها الكويت يحملها نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، حافظت على زخمها، رغم تبدلات الزمن، وتشير هذه الدبلوماسية إلى وعي مترفّع لوقاية المصالح الكويتية، وأهمها الترابطات الاستراتيجية، في إطار مجلس التعاون، وفي إطار النظام العربي السياسي الجديد القائم على حكم القانون ورفض الإيديولوجيات والانقلابات، مع تثبيت العلاقات الخاصة مع الحلفاء، مما يوحي بتفرّغ النائب الأول للشأن التنموي المحلي.
واضح الشعور الكويتي العام بأن الحياة السياسية دخلت منطقة مختلفة فيها محتوى ديناميكي يتوافق مع حجم المسؤوليات المستقبلية التي توحي بها خطة الازدهار والاستقرار لعام 2035، كما ترويها مداخلات الشيخ ناصر، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.. والعبرة بالأفعال، وليست بالأقوال.