علي سعد الموسى

في سيل من التوريات النتنة، أحال الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مجرد إعادة تغريدة لوزير إماراتي إلى محاكمة للتاريخ ما بين حضارتين وشعبين. وصلت به ذروة السقوط الأخلاقي إلى الجرأة على طرح السؤال: من هم أجدادكم وأين كانوا يوم كان أجدادي يدافعون عن المدينة المنورة ضد جحافل الاحتلال؟ من سيقرأ تلك الجملة دون وعي بحقائق التاريخ سيظن أن مدينة المصطفى كانت تقاوم كتائب الاستعمار الأوروبي الزاحفة إلى أسوار هذه المدينة لولا بسالة «العصملي» وألوية بني عثمان. ستبقى من حقائق التاريخ التي لا يختلف حولها اثنان أن الخريطة السعودية وحدها هي الخريطة الوحيدة في كل العالم العربي التي لم يدخلها غاز أو مستعمر.


ستبقى الحقيقة الناصعة على مجرى نهر التاريخ نفسه أن الوجود العثماني لأربعة قرون بالتقريب على صدر هذا العالم العربي كان قروناً سوداء من الجهل والظلام والتخلف. قبل الوجود العثماني كان عالمنا العربي ولأكثر من ثمانية قرون شريطاً منافساً وفي صدارة الحضارة الإنسانية والمنجز الكوني. كانت حواضر مكة وبغداد والقاهرة والقيروان محاضن جوهرية لكل أولئك العلماء الأفذاذ الذين ساهموا في بناء معظم قواعد العلم التطبيقي الأساسي الذي قامت عليه ركائز عصر النهضة الأوروبية. وحتى في ثورة الإرث الإسلامي انقطع مدد تلك المدارس الإسلامية الخالدة مثلما انطفأت جذوة الباحثين والمجددين في كل مناحي الخطاب الإسلامي بدخول الخلافة المزعومة. أعطوني اسماً واحداً أو مدرسة يتيمة في كل الخريطة العربية برزت تحت الحكم العثماني لأسحب ما كتبت. قارنوا تلك الفترة المظلمة في الحياة والحضارة العربية بما كان قبلها من العهود الأموية والعباسية إلى نهاية عصر المماليك لتدركوا الفارق الهائل. لقد غيب بنو عثمان كل هذا الإرث التراكمي وسحبوا الجنس العربي إلى قاع الشراكة الحضارية بين كل أمم الكون، ولست أبداً بالمبالغ إن قلت إنهم هم من يتحمل مسؤولية هذا الفارق الخرافي ما بيننا وبين شعوب العالم الأول. أربعة قرون من الضياع والتيه. كانت أوروبا تبني نواة جامعاتها بينما كنا نغرق في الجهل المخيف بلا مدرسة نظامية واحدة. تحت عاطفة الخلافة المتخلفة وصلنا إلى الحضيض في كل شيء. كان الخليفة يزخرف القصور في إسطنبول إلى حد ولادة أسطورة «الحريم» التاريخية بينما مدينة الرسول تغرق في المجاعة.