سمير عطا الله 

على طريقة الدفوع والدفاع في القضايا القانونية، أولاً هذا التمهيد: «طيران الإمارات» شركة تجارية، من الأكثر نجاحاً في العالم، منذ لحظة تأسيسها. مقرها المطار الأكثر حركة تجارية في العالم. مسافروها من جميع سكان هذه المعمورة. ولها سياسة واحدة: المزيد من المسافرين.
هل يمكن لشركة هذا تاريخها وتكوينها أن تردّ مسافراً؟ أجل، في حالة واحدة: إذا كان يهدد أمنها وسلامتها وسلامة ركابها، وبالتالي وجودها. لهذا السبب اتخذت الشركة قراراً بمنع سفر التونسيات، الذي اعتبره حماة الديار اعتداءً سافراً على سيادة تونس.
قرأت عشرات ردود الفعل على الخطوة، من افتتاحيات النشامى إلى تعليقات القراء، لم يخطر لأحد من حرصاء السيادة أن يتساءل: لماذا يشمل القرار المرأة التونسية، وليس الرجل؟ وإذا كانت سيادة تونس هي المستهدفة، فلماذا المرأة وليس التونسي؟
هذا أول قرار من نوعه تتخذه الشركة في تاريخها. ولو كنت مسؤولاً في تونس - أو في صحف النشامى - لحاولت أن أسألها السبب. فالخطر هنا مشترك، سواء على السمعة أو على السلامة. ولو وقعت مأساة فجرتها امرأة تونسية، لوقع الضرر على تونس أولاً. وفي أبسط الحالات وأكثرها بداهة، كان في إمكان سفير تونس لدى الإمارات أن يذهب إلى مقر وزارة الخارجية في أبوظبي لنصف ساعة، ويخرج منه ومعه شرح مفصل بالأسباب التي تحمل شركة طيران تجارية على أن تفرّق بين الرجال والنساء - لصالح الرجال.
انهالت الشتائم على «الإمارات» الشركة والإمارات الدولة، من دون انتظار أيّ توضيح حول المسألة. لم يخطر لأي من الكتّاب النشامى، أو القراء، قبل أن يهب هبوب الأبجر أن يتساءل: لماذا تطير إلى 143 مطاراً في ست قارات، بينها تونس، ثم تغص فجأة بالمسافرات التونسيات؟ أو إذا كانت المرأة التونسية هي المستهدفة في هذه المؤامرة الكونية، فلماذا لم تشمل الموظفات التونسيات في الشركة نفسها، أو العاملات في أنحاء الاتحاد؟
أفهم أن تتحرك صحافة معينة لتجعل من قرار إداري في شركة تجارية عدواناً صارخاً على عالم عربي آمن لم يشهد حادثاً جوياً أو أرضياً في تاريخه، ولا استخدمت فيه الطائرات المدنية لقتل الأبرياء. الذي لا أفهمه ولا يمكن لأحد مثلي أن يستوعبه، هو هبوب القراء على قرار يتعلق بأمن الناس وسلامتهم. كنت أتوقع العكس تماماً. وكنت أتمنى قبل شتم قرار سيادي أمني أن نصغي قليلاً إلى أسباب القرار. لكنها عادة قديمة لا تتغير: تأييد القتل وانتحار باسم العزة والكرامة.