أحمد الجميعة

لم يكن مشروع الإرهاب على تعدد تنظيماته وأجنداته ومصالحه مستقلاً بذاته، بل كان ولا يزال تابعاً لأهداف أكبر منه، وأداة رخيصة مأجورة لتنفيذ ما يُملى عليه، وأسوأ من ذلك حين كان وسيلة لاستهداف الوطن في أمنه واستقراره ووحدته.

القراءة الأولية لبيان وزارة الداخلية حول مقتل الشيخ محمد الجيراني -رحمه الله- على أيدي عناصر إرهابية؛ تشير (أولاً) إلى أن المدد الخارجي من إيران وقطر لدعم العمليات الإرهابية في عواميّة القطيف قد تراجع بشكل كبير جداً، ولم يعد هناك سوى فلول محدودة العدد والإمكانات تنتظر مصيرها أمام قوات الأمن، وبالتالي سقط المشروع الفوضوي العبثي بقطع الطريق على من يغذيه، وتحديداً لحظة سقوط أسوار بلدة العوامية القديمة، وكشف المستور عن واحدة من أهم تحولات المواجهة الأمنية هناك.

و(ثانياً) أن صوت الاعتدال تمثّله المصلحة الوطنية العليا بغض النظر عن المذهب الذي يدين به الإنسان أو الفكر الفلسفي الذي يعبّر عنه؛ لذا دفع القاضي الجيراني حياته ثمناً لذلك الصوت حينما أراد الإرهابيون إسكاته، وقتلوه وهو على مذهبهم، ولم يدركوا قبل ذلك أنه مواطن مخلص همّه أن يرى وطنه بأمن وسلام، ويعيش الجميع إخوة متحابين متسامحين باسم الوطن الذي يجمعهم وليس أي شيء آخر، وهذا الصوت المعتدل هو ما يتردد الآن في القطيف وغيرها من أبناء الطائفة الشيعية، حيث كانت مواقفهم المشرّفة استمراراً لما كان ينادي به الجيراني حتى بعد رحيله.

و(ثالثاً) أن المهمة لم تنته بعد؛ فلا يزال هناك مطلوبون للعدالة، ويتوجب على الجميع أن يستشعروا مسؤولياته في الإبلاغ عنهم، وتطهير المجتمع من شرورهم، وهي مهمة لم تعد خياراً بعد حوادث القتل والتدمير، بل واجباً وطنياً في معركتنا ضد الإرهاب.

و(رابعاً) أن التطرف الذي يعد السبب الأول للإرهاب، وتواجهه المملكة اليوم بحزم لاقتلاعه من جذوره؛ لا يستثني فئة على أخرى، أو مذهب دون آخر؛ فالجميع شركاء في الخلاص من مرجعيته المتشددة، وأفكاره المؤدلجة، وحساباته الضيقة في التصنيف، حيث لا تراجع عن هذه المهمة، ولا سبيل للنهوض إلى ما نريد أن نحلم في الوصول إليه وبيننا متطرفون لمذهب أو سلوك أو فكر.

لقد قتل القاضي الجيراني ونُكّل به في صورة بشعة، واختطف قبل ذلك غدراً وخيانة، ولكن الملفت أن تفاصيل مقتله المعلنة من وزارة الداخلية وحّدت السعوديين في معركتهم ضد الإرهاب؛ فلم يعد الصوت شيعياً أو سنياً، وإنما وطنياً، وهذا هو أهم سلاح في المواجهة؛ حين تكون الوحدة الوطنية حائط الصد أمام أي مظاهر اختراق أو اعتداء أو أحلام للفوضى والشتات.

رحم الله الشيخ الجيراني، وشهداء الوطن من رجال الأمن والمدنيين الأبرياء الذين سقطوا في مواجهة الإرهاب المأجور، وبقينا نحن في مهمات أخرى نختبر فيها وطنيتنا بقدر عطائنا.