سمير عطا الله

لا يذكر لنا الراوي تاريخ الحكاية، لكنه يقول إنه كان يتنقل في عربة خيل، ما يعني أن أحداث القصة تدور في بيروت العشرينات من القرن الماضي. أو الثلاثينات. ولا يذكر كم كان عمره، لكن التلميح يشير إلى أنه في أواخر العشرينات أو أوائل الثلاثينات. 

وخلاصة القصة أنه التقى أحد وجهاء المدينة لسبب اجتماعي، غير أن الرجل وبَّخه على حياة العزوبية التي يعيشها، وطلب منه أن يرافقه فوراً إلى منزل عائلة معروفة. دخل الاثنان المنزل فاستقبلتهما سيدة في غاية الأناقة، وصاحبنا لا يعرف بعد هدف الزيارة.

بعد قليل، دخلت فتاة تحمل صينية قهوة، فبادرها الوجيه بالترحاب: «أهلاً بعروستنا». فأدرك فصول المسألة. ما هو انطباع صاحبنا عن «العروس»؟ ما يأتي: «فإذا بي أمام فتاة تشبه بنت البستوني (في ورق اللعب): وجه طلي بالمساحيق، الزرقاء والبيضاء والحمراء، فبدا كأنه جزء من مختبر، أما أنفها فلم أصدق أنه أنفها، بل خيّل إليً أنها استعارته من عند الجيران، وكذلك فمها، كان أشبه بفم مزور، لا تلوح منه ابتسامة، ولا تتدلى منه شفتان. إنه أثر لجرح».

انتهت الزيارة وخرج صاحبنا وصديقه الوجيه لكي يستقلا العربة التي يجرها حصانان. وقبل أن يلهب العربجي الحصانين بالسوط، التفت الوجيه إلى الفتى الأغر وسأله: «كيف شفت»؟ قال الوجيه: «صحيح ليست جميلة جداً، لكن مهرها 1500 ليرة ذهبية، وبيت مؤلف من خمس غرف، إحداها لوالدتها، والأربع الباقية لزوجتك ولك ولبنيك».

سال لعاب الفتى: 1500 ليرة ذهبية وبيت، فيما هو يعيش بين غرفة مؤجرة وأخرى، واحدة قرب سطح الجيران وواحدة عند نوافذ بنات الجيران. فما العمل؟ وفي اليوم التالي تشجع واتجه نحو بيته المقبل «وأطلت الفتاة وعلى وجهها ابتسامة كأنها سرقت من شواطئ البحر الميت. وعندما جلست قبالتي رأيتها أكثر بشاعة مما كانت عليه بالأمس، ثم بدأت تتكلم، فلاحظت في صوتها خرة قريبة الشبه بحشرجة العجل الذبيح! وأرادت أن تتأنق فوضعت ساقاً على ساق، فبدت الساقان كأنهما ساق واحدة جردت من اللحم الحي». لكن الفتى الأغر ما طفق يفكر بليرات الذهب، ويتأمل الأثاث الثمين والسجاد العجمي. ثم دخلت والدة الفتاة وعرضت «خاتماً ماسياً يوحي بالزواج، ليس بالابنة فقط بل بالوالدة أيضاً».

والجميع على هذه الحال، قرع الجرس ودخلت ابنة خالة العروس، وهي فائقة الجمال، فتأمل الاثنتين، ثم استأذن بالانصراف لاعناً الذهب والفضة وسائر المعادن. هل من الضروري القول إن الراوي هو سعيد فريحة بعد الحديث عن فم مثل أثر الجرح؟