أحمد الفراج

 لعله يحسن الحديث عن مفهوم الديمقراطية، بعدما كتبت عما قامت به مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، السيدة، نيكي هيلي، قبل أيام، وأعني ضغطها على أعضاء هذه المنظمة العريقة، بل وتهديدها لهم، فيما لو صوتوا مع المشروع الذي يشجب اعتراف الرئيس ترمب بالقدس عاصمة لإسرائيل، إذ أن هذا السلوك الغير ديمقراطي هو امتداد لممارسات غير ديمقراطية للقوى العظمى، وإن كان سلوكا هيليا غير مسبوق، لأن العالم كان قد اعتاد على الضغوط بالطرق الدبلوماسية، لا بالوعيد الصريح، والدبلوماسية الخشنة جدا، التي استفزت كل دول العالم، بما في ذلك الدول الحليفة لأمريكا، وبعضها يحتاج دعمها السياسي والمالي!.

ومع التأكيد على أن الديمقراطية هي أفضل أشكال الديكتاتوريات، ولها إيجابيات لا تحصى، إلا أنها ليست شكلا ورديا من أشكال الحكم، كما تصوره بعض الأدبيات، خصوصا أدبيات من حرم منها، كما في كثير من دول العالم الثالث، فهناك من يتصور أن بإمكان أي مواطن غربي أن يترشح للرئاسة، أو لأي موقع آخر دون ذلك، وهذا تزييف للحقيقة، فهناك اشتراطات لمن يرغب في دخول العمل السياسي والنجاح بذلك، أي الفوز، وسأضرب مثلا بالديمقراطية الأكبر، أي الولايات المتحدة الأمريكية، ومنها يمكن القياس على معظم، إن لم يكن كل دول العالم الديمقراطي، وأول الإشتراطات هي الإنتماء لحزب سياسي، وغني عن القول أنه ليس كل حزب سياسي له ذات المكانة، فهناك أحزاب رئيسة، وتحديدا الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، وهي أحزاب مرتبطة بلوبيات المصالح السياسية والإقتصادية، وهي التي تسيطر على الحياة السياسية في أمريكا، عدا استثناءات نادرة!.

لم يسبق في التاريخ السياسي لأمريكا أن فاز مرشح بالرئاسة من خارج الأحزاب الرئيسية، رغم وجود العشرات من مرشحي الأحزاب الأخرى، التي لا يمكن أن تسمعوا عنها أو عن مرشحيها، مثل حزب الإصلاح، وحزب العمل، وحزب الاستقلال، وحزب الحرية، وغيرها، وعدم فوز مرشحي هذه الأحزاب يعود إلى أن لها أجندات وطنية خالصة، وغالبا لا تخضع للوبيات المصالح، ذات النفوذ الواسع، سواء كانت منظمة ايباك، صاحبة القوة والنفوذ الضخم، أو لوبيات صناعة السلاح، وصناعة السيارات، وشركات التبغ، وهذا أمر لا يدركه المواطن الأمريكي البسيط، الذي يتغنى بالحرية والعدالة، ثم يصوت في نهاية المطاف للمرشح الديمقراطي أو المرشح الجمهوري، الذين يخدمون لوبيات المصالح، على حساب هذا المواطن المغرر به، وسبب هذا التجهيل المتعمد هي سطوة الإعلام الأمريكي الشرس، الذي، هو ذاته، يدور في ماكينة لوبيات الضغط، ويخدم مصالحها، ولو علم هذا المواطن البسيط بالواقع، لربما تغيرت معادلة التصويت في الانتخابات الأمريكية، وسنواصل الحديث حول ذلك، وحول مفهوم الديمقراطية برمتها!.