سمير عطا الله 

كتبت نادين غورديمر (نوبل 1991) أجمل مقالاتها في رحلات عبر القارة الأفريقية، قارتها. إنها أحد الوجوه (البيضاء) الأدبية الأكثر شهرة في «جنوب أفريقيا». في إحدى هذه الرحلات (1979) نراها في صحاري وبوادي بوتسوانا، ثم فجأة، تصل إلى غابة من غابات أفريقيا الكثة، وينتصب أمام المسافرين جبلا «تسوديلو». الأول ذكر، الآخر أنثى. جبلان، أو تلتان، بألوان أخاذة وكثيرة. وصمت عمره مئات السنين.


في النواحي ترعى الغزلان والحمير الوحشية ووحيد القرن وزرافات. وبعد قليل يلتقي حول القادمين رجال عراة يرقصون ثم يرقصون. وثمة أحافير قديمة على الحجارة، أسفل التلتين. ما من أحد من أهل الغابة يعرف تاريخها أو عمرها. قلما يصل الزائرون، أو السياح، إلى هذه المنطقة.
خلف تلة الذكر في تسوديلو، قرية من ثلاثين أو خمسة وثلاثين شخصاً. جميعهم من قبيلة مبوكو أوشو، التي يقطن معظمها هذه النواحي. وأهل تسوديلو يعتقدون أن الخليقة بدأت هنا. أنزل نيامبي (الإله) الناس والحيوانات على حبل إلى تسوديلو، وهكذا بدأ العالم.
جالت غورديمر في القرية، ثم قال لها دليل الرحلة إنه يحمل رسالة إلى إحدى نساء القرية من ابنها، الذي يعمل في المناجم. لكن المرأة لا تقرأ، وكان على الدليل أن يقرأها لها في صوت عالٍ على مسمع من الجميع. وبدا أن الأم متفاعلة مع الرسالة كأنها تحاول حفظ كل كلمة.
كان مع غورديمر بضع حبات من الشوكولا وزعتها على الأطفال المتجمهرين. واحدة لكل أربعة منهم. وجميعهم كانوا يمدون ألسنتهم لكي يمسحوا عن الورق آخر آثار السكر. ثم مصوا أصابعهم بعدها.
كانت للأمهات ملكة عليهن، طويلة وناحلة وابتسامة دائمة. وكانت تلف نفسها بمنشفة مقلمة تغطي بها تنورتها المصنوعة من ريش النعام، وتضع في ساقيها أساور مصنوعة من جلد البقر والنحاس، وأما رأسها، فكان حليقاً تماماً. لقد عُيّنت ملكة من قبل زعيم القبيلة قبل قليل.
لا تقف غورديمر موقفاً ساخراً من بدائيات شعبها، بل تكتفي برسم صورة لواقعه. أما في الجانب الآخر، فقد عملت طوال حياتها في سبيل الأفارقة دون تحفظ، خصوصاً بعد نيلها جائزة نوبل للآداب عام 1991. ومن أبرز أعمالها «عائلة جولاي»، وهي قصة متخيلة لعائلة بيضاء تهرب من انتقامات السود في حرب أهلية مفاجئة. ولا تجد من يحميها سوى خادمها الأفريقي «جولاي»، أو «يوليو».
الذي اكتشف بحيرة نغامي التي قال إن طولها 70 ميلاً. ليس الآن. فلا يزيد طولها على 8 أميال وأحياناً تختفي، لا طول ولا عرض.