جهاد الخازن

المحرقة النازية (هولوكوست) لليهود انتهت سنة 1945 بهزيمة النازيين في الحرب العالمية الثانية، والأمم المتحدة سنة 2001 جعلت 27 كانون الثاني (يناير) من كل سنة «الذكرى الدولية للهولوكوست»، ومنذ الأسبوع الماضي وأنا أجمع من الميديا الغربية مادة عن المحرقة وذكراها.

لست من نوع المؤرخ البريطاني التحريفي ديفيد إرفنغ الذي ينكر المحرقة وله أتباع وأنصار، فأنا أرى أن المحرقة حصلت، وإن كنت لا أعرف رقم الضحايا فإنني أقبل الرقم المتّفق عليه في الغرب، وهو ستة ملايين.

سجلت ما سبق لأكمل وأقول أن المحرقة توقفت قبل 72 سنة، فلو كان السجين اليهودي في أوشفيتز أو أي معتقل آخر كان عمره 20 سنة، لكان اليوم في الثانية والتسعين، ومع ذلك أجد أعداد الناجين من المحرقة تزداد كل سنة، وكأن يهود العالم كلهم مروا بها. هذا النوع من المبالغة هو من صنع تجار المحرقة، وليس «مؤامرة صهيونية» أخرى، فهي حدثت ودفع اليهود في البداية ثمنها، ثم دفع الثمن الفلسطينيون لأن الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة منذ فرانكلن ديلانو روزفلت، أيّد انتقال اليهود إلى فلسطين وتشريد أهلها.

قرأت على هامش ذكرى المحرقة تصريحاً لرئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي موشي كانتور، يقول أن «جرائم الكره» تعادل «أحلك أيام الثلاثينات»، ويبدي القلق من صعود أحزاب أقصى اليمين والنازيين الجدد.

لن اقول أن هذا الكلام كذب وإنما أزعم أنه ينطوي على مبالغة كبيرة، فلا شيء اليوم يعادل ثلاثينات القرن الماضي، والمحرقة لن تعود إطلاقاً بغض النظر عن صعود اليمين المتطرف أو سقوطه. ثم إن كانتور وكل مَنْ تحدث عن ازدياد الكره في ذكرى المحرقة لم يقلْ أن السبب الأول والأخير هو جرائم حكومة إسرائيل، فهي أيضاً إرهابية نازية جديدة يمينية متطرفة، ضد الفلسطينيين في بلادهم.

أنصفت اليهود في السطور السابقة وأكمل بإنصاف الفلسطينيين فما يُسمّى الآن إسرائيل هو فلسطين المحتلة من البحر إلى النهر، ومضى وقت مع إسحق رابين، وربما شيمون بيريز، زادت فيه الآمال بدولتين هما إسرائيل وفلسطين تعيشان جنباً إلى جنب بسلام. غير أن اليمين الإسرائيلي قتل رابين، وكان بيريز فاشلاً مزمناً وعشنا لنرى الإرهابي بنيامين نتانياهو في الحكم. حكومة إسرائيل الحالية لا تمثل كل الإسرائيليين، أو اليهود حول العالم، فبين هؤلاء معتدلون طلاب سلام من إسرائيل وحتى الولايات المتحدة، مروراً بأوروبا، ويمكن عقد سلام معهم في يوم وليلة.

في ذكرى المحرقة، كان هناك تركيز على استمرار كره اليهود في هذا البلد أو ذاك، وأصر على أن سبب الكره، إن وُجِد، هو حكومة إسرائيل وممارساتها النازية ضد الفلسطينيين قبل أي سبب آخر.

أقيم في لندن وقرأت في جريدة «الغارديان» التي أحترمها كثيراً أن أكثر من ربع الناجين من المحرقة الذين يقميون في بريطانيا، تعرضوا للإساءة بسبب دينهم أو أصلهم. والنسبة ترتفع إلى 38 في المئة لأقارب الناجين من المحرقة.

من أين جاءت هذه الأرقام؟ هي صدرت عن أمانة يوم الهولوكوست الدولي بعد استفتاء يقول أيضاً أن 72 في المئة من الناجين شعروا بأنهم موضع ترحيب حيث حلّـوا في بريطانيا.

لم أنكر المحرقة يوماً ولا أنكر حدوثها اليوم، ولكن أقول أن جميع الأخبار عن ذكراها التي قرأتها وكانت صادرة عن جماعات يهودية في هذا البلد أو ذاك لم تشر إلى جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. عندما يكون في كل جامعة أميركية طلاب يؤيدون الفلسطينيين ويدافعون عن حقوقهم لا تستطيع حكومة نتانياهو أن تفعل سوى أن تطلب من ليكود أميركا مهاجمة الطلاب واتهامهم باللاساميّة. هم ليسوا لا ساميين وإنما مستقبل الولايات المتحدة رغم أنف الكونغرس العميل.

أخيراً، تاريخ الاحتفال السنوي يعود إلى دخول الجيش الروسي معسكر أوشفيتز في بولندا حيث قُتِل 1.1 مليون إنسان غالبيتهم من اليهود، ولكن مع كثيرين من جنسيات أوروبية، بل من الغجر، فيُذكر اليهود ويُنسى الآخرون.