موناليزا فريحة

لن تثير المبادرة "السخية" التي أطلقها الرئيس الاميركي دونالد ترامب حيال المسيحيين السوريين، حماسة الكثيرين الذين سئموا الانتظار على أبواب السفارات بعدما يئسوا من ترقب نهاية للحرب الدموية في بلادهم. ولعل خيبة العائلة المسيحية السورية التي أعيدت أدراجها من مطار فيلادلفيا الى مطار بيروت السبت الماضي، عززت شكوك الكثيرين في أن كلام ترامب لا يعدو كونه رسالة موجهة الى ناخبيه القلقين من "الوحش" الاسلامي، أكثر مما هي سياسة تستند الى أرقام وشواهد.


في حديثه التلفزيوني الذي سبق أوامره التنفيذية المثيرة للجدل عن المهاجرين واللاجئين السوريين، قال ترامب: "إذا كنت سورياً مسيحياً، فمن شبه المستحيل أن تأتي الى الولايات المتحدة، أما لو كنت مسلماً فبإمكانك المجيء الى هنا".
فات الرئيس الاميركي أن بلاده استقبلت أقل عدد من السوريين الهاربين من الحرب، وأن مجموع من وطّنوا في أميركا بالاتفاق مع المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين منذ بدء الحرب، لم يصل الى 20 الفاً، إذ استقبلت أميركا بين الأول من كانون الثاني 2012 و 29 كانون الاول 2017، 19,324 لاجئاً سورياً. ومع أن أرقام الحكومة الفيديرالية تشير الى أن هؤلاء هم 19,025 مسلماً و199 مسيحياً، إضافة الى 85 من طوائف أخرى، فلا شيء يوحي بأن ذلك حصل لأسباب تتعلق بالتمييز ضد المسيحيين، خصوصاً أن الاعداد تصب لمصلحة أبناء هذه الطائفة بين لاجئين من دول أخرى.


وفي شكل عام، تظهر أرقام مفوضية اللاجئين أن نسبة المسيحيين في قوائم اللاجئين السوريين الذين وصل عددهم الى خمسة ملايين ، لم تتجاوز 1,5 في المئة، ربما لأن عدد المسيحيين في سوريا لا يزيد عن عشرة في المئة من مجموع السكان، وغالب هؤلاء يعيشون في مناطق يسيطر عليها النظام الذي سبق ترامب في تقديم نفسه مدافعاً عن المسيحيين وضامناً لبقائهم في المنطقة.


الواضح أن ترامب يستخدم مسيحيي المنطقة بيدقاً للرد سلفاً على الانتقادات في الداخل والخارج لأمره التنفيذي بوقف قبول لاجئين سوريين وفرضه حظراً موقتاً على مواطني سبع دول ذات غالبية مسلمة. لكنّ الخطير أن ألاعيبه الاستقصائية لن تخدم المسيحيين ولا أياً من أبناء الأقليات الاخرى. ففي منطقة خرجت الوحوش الطائفية من كهوفها لتنكل بالمسيحيين والمسلمين على السواء، لم يكن ينقصها الا رئيس اميركي يستخدم لغة طائفية كريهة ويلعب على الوتر الطائفي نفسه لـ"داعش" لأغراض، تحقيقاً لغايات لا تمت بأي صلة الى مصلحة المسيحيين السوريين ولا أي مسيحيين آخرين.