حسام عيتاني

بعد أقل من أسبوع على إقرار البرلمان الروسي قانوناً ينزع الصفة الجرمية عن العنف الأسري، أصدرت الحكومة الرومانية مرسوماً بمضمون مشابه حيال قضايا الفساد التي يقل ضررها المادي عن مئتي ألف ليو (حوالى 48 ألف دولار).

وافقت أكثرية ساحقة من النواب الروس على مشروع القانون الذي أحل الغرامة المالية مكان السجن للمعتدي إذا لم يترك آثاراً ظاهرة او تتطلب العلاج في المستشفى على المعتدى عليه. النائبة صاحبة اقتراح القانون الجديد رأت أنه من «غير المعقول سجن شخص من أجل صفعة». الأرقام التي نشرها بيان منظمة «هيومان رايتس ووتش» المعترض على القانون الجديد يشير إلى ما لا يقل عن كارثة اجتماعية مستمرة في روسيا، تأتي الخطوة الأخيرة لتعميقها وإسباغ صفة الشرعية عليها.

أما المرسوم الروماني الذي يعتبر من طلائع إنجازات الحزب الاشتراكي العائد إلى الحكم في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، فقوبل بأوسع موجة من الاحتجاجات والتظاهرات منذ سقوط نظام نيكولاي تشاوشيسكو سنة 1989. ذلك أن زعيم الحزب الاشتراكي ليفيو دراغنيا الذي يمنعه القانون من العودة إلى تولي رئاسة الحكومة بسبب حكم صادر بسجنه عامين مع وقف التنفيذ لتلاعبه بنتائج انتخابات سابقة، يواجه مرة جديدة تهماً بالفساد، على غرار الكثير من زملائه.

في الجانب الآخر من العالم، تصر إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنها ستنجز بناء الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة وبين المكسيك في أقل من عامين. إنها الجريمة تتقلص مرة إضافية على ذات النحو الذي جرى في روسيا ورمانيا: إذا كنت عاجزاً عن علاج علل البطالة والجريمة، ادفنها بحيث لا يراها أحد. إنزع صفة الجريمة عنها أو اختر متهماً ملائماً ليحمل وزرها. قلّل من فداحة الجريمة على ما فعلوا في روسيا ورومانيا وابنِ سوراً عالياً، من قوانين أو من إسمنت وفولاذ، يختفي الواقع وراءه.

وتساعد الطبائع المتشابهة من نواحي الذكورية المفرطة والأنا المتورمة والاستخفاف بآراء الآخرين وكراماتهم، لكل من فلاديمير بوتين ودونالد ترامب والتاريخ الملوث بالفساد للعديد من حكومات رومانيا بحيث تشكل العناصر هذه عينة عن عالم يتكون تلتقي فيه الشعبوية (من اليمين ومن اليسار) مع القدرة على التفلت من الجريمة بحماية القانون وبتأييد شعبي لا يُنكر، ناجم عن عقود من خيبات الأمل والتضليل السياسي والإعلامي واللعب على أوتار الخوف واليأس.

لقارئ عربي أن يتساءل عن معنى هذه النماذج وصلته بها ما دام أن إمكان المقاومة في العديد من الدول التي تشهد صعود الشعبوية والتسلط ما زال قائماً – بدرجات متفاوتة - عبر القضاء والمجتمع المدني والصحافة المستقلة، في حين يعيش هو في ظل حكومات الاستبداد التي لا تخفي احتقارها للقوانين ولصناديق الاقتراع، وفي غياب أي نوع من الرقابة القضائية أو المجتمعية والتي لا تتوانى عن اللجوء إلى العنف العاري عند أول إشارة تململ في الشارع.

المعنى يكمن في الإصرار على التمسك بالحقوق العامة للمواطنين وأهمية تشكيل هيئات رقابية، صحافية وقانونية وسياسية، تتولى الإشراف غير الرسمي على سياسات الحكومات، ولو من موقع الأقلية غير المدجنة أو المروضة. ذلك أن تقلص المساحة التي يلاحق القانون فيها الجريمة، وفق رؤى الحكومات القائمة والمقبلة في أكثر من مكان في العالم، سيترك المواطن أعزل أمام أبواب الجحيم المفتوحة.