سميرة المسالمة

تتزايد حاجة المعارضة السورية للإسراع في عقد اجتماع عاجل في مدينة ما، يضم من لم تستطع موسكو جمعهم على طاولة واحدة، من منصّات المعارضة المختلفة، في الداخل والخارج، للوصول إلى تفاهمات بينهم، قبل الوصول إلى طاولة التفاوض في جنيف مع النظام.

والسؤال الملح المطروح اليوم على «الهيئة العليا للمفاوضات»، التي تضم أوسع أطياف المعارضة، هو: هل تملك هذه الهيئة رؤى مرنة للتعامل مع ما هو مطلوب منها، وفق تصريحات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في 31 الشهر الماضي، حيث طلب تشكيل وفد واحد للمعارضة، مهدداً باستخدام صلاحياته في تشكيل الوفد بعد نفاد المدة التي حددها، وهي الثامن من هذا الشهر؟

ولعل ما جاء في خطاب دي ميستورا يتطابق مع البيان الذي صدر من موسكو موقعاً من المشاركين الثمانية الذين لبوا الدعوة الروسية، ومنهم من يعتبر أحد مكوناتها، أي «هيئة التنسيق»، في حين رفض كل من المنسق العام لـ «الهيئة العليا للمفاوضات» رياض حجاب، ومن دعي من «الائتلاف» المعارض، الدعوة الشفهية التي وجهت لهم. حيث يقر الموقعون على بيان موسكو، الذي صدر في 27 الشهر الماضي، بأن اجتماعات آستانة التي ثبّتت اتفاق وقف إطلاق النار، ستنعكس إيجاباً على المسار السياسي المأمول وتنفيذ القرار 2254. 

ولعل المتفحّص جيداً لمواد هذا القرار يعرف أن المجتمع الدولي مهّد به لتمثيل منصّات عديدة إلى جانب «الهيئة العليا للمفاوضات»، وبناء على ذلك « توافق المجتمعون على توجيه نداء إلى تشكيل وفد واحد عادل التمثيل ووازن ومقبول، ومن دون إقصاء أحد أو هيمنة أحد»، للتفاوض مع وفد النظام في اجتماع جنيف المقترح هذا الشهر.

وفي عودة لمخرجات اجتماع آستانة، الذي جمع «القوى المسلحة»، يمكننا ملاحظة أن كل طرف (أي النظام والمعارضة) يعتبر أنها جاءت متوافقة مع ما يعزّز موقعه في معركة التفاوض، ويضعه أمام جمهوره منتصراً. إلا أن الحقيقة تفيد أيضاً بأن النظام السوري مني بهزيمة موجعة في المؤتمر، تمثلت بانهيار خطابه الإعلامي، المرتكز على أنه خلال السنوات الست الماضية كان يواجه فصائل وجماعات إرهابية ثابر ليضعها على قائمة الإرهاب الدولية، فإذا به يجلس معها في قاعة واحدة، ويبدو في ذلك كمن هو مضطر للموافقة على البيان الصادر، أو السكوت عنه، على رغم أنه يقضي على كل ما تبقى من سيادته على جيشه، حيث روسيا وإيران معاً هما الضامنتان لتنفيذ بنود الاتفاق، تبدوان كدولتين تتحكمان بمصير سورية ونظامها.

على الجهة المقابلة، تضمنت وثيقة آستانة خسائر بالجملة للمعارضة السورية أيضاً، بشقيها السياسي والمسلح، حيث اضطرت الفصائل للقبول في شكل أو آخر بتحديد طبيعة الدولة السورية، «دولة ديموقراطية، متعددة الإثنيات، متعددة الأديان، غير طائفية» وهو الأمر الذي كان يجب تركه لمحادثات جنيف، وليس التعامل معه بشكلياته من دون إسقاطاته السياسية، التي يجب أن تكون مبنية على التوافقات السياسية بين المكونات السورية جميعها، وليس بين المتصارعين عسكرياً.

واضح أن روسيا على ما يبدو في البيان - حاولت التشويش على المرجعيات الدولية للقضية السورية مختصرة النضالات الديبلوماسية للمعارضة السياسية بالقرار 2254 فقط، وهو الأمر الذي استدركته في بيان موسكو الأخير في محاولة لاسترضاء المجتمع الدولي من جهة، والتقرب من «الهيئة العليا» من جهة ثانية. وربما بالموافقة على الحضور بداية، والتوقيع ختاماً، فقد وضعت الفصائل العسكرية المعارضة كلا من روسيا وإيران في موضع متساو مع تركيا، الدولة الصديقة للمعارضة، مسقطة بذلك الدور القتالي والتدميري للدولتين المذكورتين في سورية، وقابلة بوجودهما من خلال عملهما كضامنتين ومراقبتين على تنفيذ الاتفاق.

ما تريده موسكو والنظام وإيران فعلياً من الفصائل هو انضمامها للحرب على الإرهاب، وقد تحقق لها ذلك، بل بدأت علاماته في الميدان بالشروع بمحاولة تصفية مباشرة لجبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً)، وفي حال تحقق ما يتم الحديث عنه، بخصوص انعقاد مؤتمر جديد في مدينة يمكنها أن تجمع كل أطياف المعارضة من دون تحفظ، قبل اجتماع جنيف المقترح في 20 هذا الشهر، والذي تم تأجيله بناء على توافقات أميركية روسية أممية، والذي كان قد أعلن عن تأجيل موعده المقترح في 8 الشهر، من جانب وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف الذي لا ينطق عن هوى، ما يضعنا أمام انقلاب على مستويين:

- عسكري، حيث تتجمع الفصائل كنواة صلبة مع بعضها بعضاً، لاغتنام فرصة انزياح الحل حسب رغباتها وبشروطها، التي تفرضها على الطرف الذي تجلس إلى جانبه (أي المعارضة) وليس فقط على الطرف المقابل لها (أي النظام). مما يجعلنا نتوقع مجلساً عسكرياً مشتركاً قريباً.

- سياسي، توحي به عبارة مررت عن قصد في بيان آستانة تقول: «أن الصراع يمكن حله فقط من خلال عملية سياسية»، بمعنى أنه ليست هناك عملية انتقال سياسي تستند إلى بنود إعلان جنيف1 و2، وهنا أمام المعارضة السياسية خياران أحلاهما مر، ليس لأنها ستقبل بتوسيع وفدها ليضم ممثلين عن الإدارة الذاتية (الكردية)، أو معارضة موسكو ورندة قسيس، إضافة الى منصة القاهرة وتيار «بناء الدولة»، اللذين كانا موجودين على قائمة اجتماع الرياض الذي أنتج «الهيئة العليا للمفاوضات»، بل لأن على المعارضة السياسية متابعة ما بدأه العسكر، بدل أن يكون العكس هو ما يتم تنفيذه الآن، وفق خطة الانتقال السياسي التي عملت عليها خلال سنوات، وحققت لها مرجعيات دولية، تعتبر موسكو أنها أسقطتها عنوة، ولكن بديبلوماسيتها الناعمة في مؤتمر آستانة في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي.

وإذا كان المطلوب من «الهيئة العليا» المرونة في أقسى حالاتها، فعلى هذه المنصات أيضاً أن تعلن مبادرتها للانطلاق نحو تفاهمات مشتركة ليس فقط على أسماء من سيفاوض النظام، (وفد المعارضة الواحد)، بل على ماذا سيكون التفاوض مع النظام، ولعل هذا هو البند الأهم الذي يوجب الاجتماع المشترك، والذي لن تفصلنا عنه سوى أيام إن لم تكن ساعات.

بين مؤتمر آستانة ومن ثم موسكو وقد مضيا، وعاصمة جديدة تطرحها عناوين الأخبار، ثمة صمت في العواصم العربية طال فهل ينتهي، لتكون إحداها مكاناً يمكن من خلاله الحديث بلغة أقرب إلى واقعنا، وأكثر تفهماً لآلام شعب تشرد نصفه، ومنع من دخول بلاد الله الواسعة، وقتل منه نحو نصف مليون، وعدد معتقليه يناهز مئات الآلاف، و85 في المئة منه ضمن خط الفقر، وخمسة ملايين بحاجة للإيواء؟


* كاتبة وإعلامية سورية