عبدالله العوضي

ما ميزة أميركا التي تعيش فيها، والتي تسمع عنها، من خلال القرارات الحكومية التنفيذية منها وأخرى من أمثالها، الإجابة في فم أحد مساعدي وزير الخارجية الأميركية في تسعينيات القرن الماضي، عندما أجريت معه حواراً بهذا السؤال يقال بأن إسرائيل تدير أميركا، فأجاب: هذه مشكلة العرب.

أميركا الحكومة غير أميركا الشعب وهذه نقطة إلى الآن لم يدركها العالم العربي والعالم الإسلامي معه.

ما الذي جر حديث القرن الماضي إلى القرن الحالي، هو القرارات الأخيرة التي صدرت عن ترامب باسم المصلحة الوطنية الأميركية، والتي من أبرزها منع سكان سبع دول عربية وإسلامية من دخول أميركا ابتداءً وهي: إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن وقيل بأن هناك طبخة أخرى تعد لضم مصر والسعودية إلى قائمة السبع قبل أن يفترسها الأسد.
فلنذهب إلى الشعب ونأتي بهذا النموذج للفرد الأميركي العادي وهو يتعامل مع رئيسه، فهذا الممثل أشتون كوتشر يقول: «بصفتي مواطناً أميركياً أحترم رئيسي، ولكنني لا أحترم سياسته..».

إذا كان التطرف والإرهاب والعنف هو العنوان العالمي الرئيسي في هذه المرحلة من حياة بناء الأمم فالقرارات المضادة المتطرفة لا تعالج الأمر، فعندما تعرض أطول برجين لهجمات «قاعدية» قامت الإدارة الأميركية آنذاك بعملية تفتيش واسعة ودقيقة لأكثر من خمسين ألف عربي ومسلم أميركي ليس لهم علاقة من قريب ولا من بعيد بتلك الحادثة الإرهابية ولم يجدوا من بين هؤلاء مشتبهاً ولا متهماً ولا متعاوناً ولا بأي صفة أخرى، ومع ذلك تعرضوا لما لم يتعرضوا له في التاريخي الأميركي الذي قارب الثلاثة قرون من الحرية والعدالة والديمقراطية.

ولم يمنع كل الإجراءات الأمنية الاستثنائية من عدم ولادة منظمات ما بعد العهد «القاعدي»، فالاستمرار في ذات النهج الأمني الصارم منذ ذلك الوقت لم يعالج جذور التطرف والإرهاب في العالم.

ترامب اليوم يشعل الشعب الأميركي ضده وليس المتطرفين من الخارج، فهل سيتم تصنيف الشعب بعد تلك القرارات في خانة التطرف والتخلص منهم، كما تم التخلص من كل موظف سيادي وغير سيادي من الرافضين لتطبيق قراراته التي وصفت بعدم الدستورية فضلاً عن القانونية.

الذي يملك إمكانية التخلص من «داعش» في 30 يوماً يستطيع أن ينشر مبادئ الديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية والحرية البناءة في ثلاثة أيام فبناء على قرارات ترامب الأخيرة يفترض طرد الأميركان من أصول الدول السبع إلى المجهول لأنهم ليسوا أميركان.

أي بمعنى تخلص أميركا من غير الأميركان، أي من نفسها لأن أميركا ليس فيها أميركي واحد إلا الهندي الأحمر الذي أبيد في الزمن الأسود لأميركا التاريخ الغابر.

فالأميركان خليط من كل الأجناس ما عدا الجنس الأميركي لأن أميركا الحقيقية قامت على التعددية في كل مشارب الحياة بعيداً عن حمولات الجنس أو العرق أو الدين، فهذه أميركا الحية بها تحيا قروناً مقبلة، ولقد قمت بجرد سريع لكل الرؤساء ونواب الرؤساء الذين تولوا مسؤولية إبحار هذه السفينة بوقود البعد الحضاري الإنساني فمن خلال خمسة وأربعين رئيساً وأكثر من هذا العدد لنواب الرؤساء لم أجد رئيساً أميركياً يدير الأميركان فكلهم أتوا من أصول إنجليزية، إيرلندية، ويلزية، هولندية، ألمانية، أسكتلندية، كينية، جامايكية، فرنسية ونرويجية. وإذا انتقلنا إلى الشعب فلن يشذ عن هذه القاعدة الذهبية في العيش المشترك بسلام واستقرار وأمان منذ قرون. فهذه أميركا التي عايشت فهي حصيلة كل جنسيات العالم ولا تستغني يوماً عن الجنسيات المحظورة السبع إلا إذا كنا نتحدث عن غير أميركا التي عرفت وتذوقت.