غولاي ظاظا 

يستضيف مركز الأبحاث في جامعة «كوج» في إسطنبول معرضاً لرسوم كاريكاتورية تعرض للمرة الأولى، وتعود للرســام العثماني يوسف فرانكو كوسا (1855-1933)، وهي شخــصية فريدة الأصول والنشأة، إذ إنه حلبي الأصل لكنه لم يعش في حلــب، بل قضى معظم سنوات حياته بين لبــنان واسطنبول بمناصب عدة: حاكماً لمتصرفية لبنان ووزيراً عثمانياً ورساماً.

وحين أُعلنت الجمهورية التركية عام 1923 حصل يوسف فرانكو على الجنسية التركية وبات أحد مواطنيها حتى وفاته.

معظم اللوحات رسمها الفنان العثماني على مدار 12 عاماً عاش خلالها في إسطنبول، وامتدت من 1884 وحتى 1896. غير أن عنوان المعرض يثير الفضول في معرفة أدق عن صاحب الرسوم: «شخصيات يوسف فرانكو... كاريكاتورات موظف عثماني». لا يوفر المعرض كثيراً عن الجوانب السياسية في حياة الرجل، سوى ما يشير إلى أنه سياسي وموظف كبير في الدولة العثمانية وفنان مبدع في فن الكاريكاتور. ولسدّ النقص في المعلومات، كان الخيار الأنسب هو إجراء بحث سريع على شبكة الإنترنت.

لا يعطي محرك البحث باللغة العربية عن رسام الكاريكاتور العثماني فرانكو يوسف كوسا نتائج خارج إطار ما عرف عنه كمتصرف لجبل لبنان في الفترة من 1907 إلى 1912، وهنا يكون لقب الباشا جزءاً من اسمه. كما أن اسمه لا يرد بين المشاهير العثمانيين في فن الكاريكاتور في الموضوعات المصنفة باللغة الإنكليزية، إذ ليست له رسوم توازي ما ظهر لرواد هذا الفن أمثال علي فؤاد وسادات سيمافي وجواد شاكر في الموضوعات التي اتسمت بمعارضة السلطان عبدالحميد الثاني.

ينحدر يوسف فرانكو باشا، من عائلة حلبية الأصل، مرموقة في السياسة، ومن طائفة الروم الكاثوليك. وتشير سيرة والده، فرانكو باشا، إلى أنه تسلم متصرفية جبل لبنان بناء على اتفاق دولي أوقف الحرب الأهلية عام 1864 وقضى بند توافقي فيه بأن يكون المتصرف (الحاكم) مسيحياً عثمانياً غير لبناني، فتوافر الشرط في فرانكو باشا الحلبي، ثم أصبح ابنه يوسف متصرفاً في الفترة ما بين 1907 و1912.

وتشير سيرته السياسية إلى تسلـــــمه وزارات عـدة امتدت على عهدين متناقضين، عهد السلطان عبدالحميد الثاني وعهد الاتحاد والترقي. وضــمِن حُسن إدارته للمناصب التي تولاها استمراره في العهدين من دون ملاحقات أمنــية، وظل معتمداً من وزارة الخارجية العثمانية في العديد من جلسات التفاوض الدولية نظراً الى إتقانه العديد من اللغات الغربية.

هذا بالنسبة الى يوسف فرانكو السياسي، أما الفنان فيكاد يكون مجهولاً، خصوصاً أن مسيرة فن الكاريكاتور في الدولة العثمانية بدأت منتصف القرن التاسع عشر وتطورت نتيجة العمل السياسي المعارض في المنافي الأوروبية، وبرع معارضو السلطان عبدالحميد في استقطاب رسامي الكاريكاتور فبات السلطان أشهر موضوعات هذا الفن، وقد لا يكون مبالغاً فيه أن يكون السبب الرئيسي وراء تطور أساليب الرسم الكاريكاتوري العثماني للشخصيات السياسية.

لم يكن يوسف فرانكو من المعارضين للسلطان، واتسمت موضوعاته السياسية بنقد الهيكل الإداري للدولة لكن من دون شخص السلطان نفسه كما تشير رسومه في المعرض.

ووفق قول أحد منظمي المعرض مهمت كنتال، لوكالة أنباء الأناضول، يسلط المعرض الضوء على جوانب غير سياسية مثل رصد شبكة العلاقات الاجتماعية في رسومه، وكذلك التطور العمراني لحي «بيه أوغلو» حيث كان يقيم يوسف فرانكو في الفترة التي تعود إليها أعماله الفنية، وكذلك التحول الطبقي في هذا الحي بمغادرة الفقراء حين بات مركزاً للسياسيين والفنانين.

ويضم المعرض إلى جانب أعمال يوسف فرانكو وثائق وصوراً متعلقة بمحاور المعرض من الأرشيف الرسمي العثماني، وكذلك سيرة عائلة فرانكو الشهيرة في الوسط الديبلوماسي.

تشير إحصاءات عن تاريخ الصحافة التركية إلى صدور 200 مطبوعة في الــشهور التسعة الأولى من حكم الاتحاديين عام 1908، إلا أن رسوم يوسف فرانكــو تعـــود إلى فتـــرة سابـــقة على التوترات السياسية في إسطنبول، ولا تصنف أعماله ضمن النشاط الموالي لعبد الحميد أو المعارض له، فلم يهاجمه بعد سقوطه، بل كان أقرب إلى تجسيد الشخصية المحايدة أيديولوجياً خلال العهدين.

وعلى رغم أن مجلة «كاراكوز» الساخرة حظيت بالشهرة الأوسع تحت إدارة فنان الكاريكاتور علي فؤاد بيك، فإن يوسف باشا لم ينشر أياً من رسومه فيها، ولم يشترك في حصد الخيبة التي تعرضت لها المجلة ومجمل الكاريكاتور والصحافة حين تم إلغاء الحرف العربي واستبدال اللاتيني به عام 1928. فكان السياسي يوسف فرانكو باشا، الحلبي اللبناني التركي، فنان كاريكاتور غير سياسي، لذلك بقي إلى حد كبير خارج تاريخ هذا الفن الصحافي.