أميمة الخميس

سنستيقظ ذات صباح وقد انحسرت غيمة داعش، مصطحبة داخلها شياطينها، ومنظريها، ومعجبيها الصامتين، ستستقل الغمة السوداء ويغيبها الأفق، إما لانتهاء أهدافها المخابراتية وغياب مموليها، أو للحصار الميداني لأتباعها، أو لضمور خطاب العنف التكفيري لمنظريها أو لانكشاف محاضنها وانحسار جماهيرها.. أو لربما جميع ما سبق، لكن جميع قوانين التاريخ تخبرنا بأن تنظيماً بهذا الخصائص البدائية المفرغة من الحضارة والفعل الإنساني، لا يمتلك عادة مقومات الحياة والديمومة.

داعش هي الديناصور الذي يحتضر، ويلفظ أنفاسه الأخيرة بمزيد من التخبط والوحشية، وسيخلف أرض مواجهة بعده صفصفاً خاليةً، قد شربت الكثير من الدماء والأحلام والمقدرات المادية وسنين من عمر الأوطان التي كانت من الممكن أن تمضيها في التنمية وعمارة الأرض.

فهل أعددنا قوائم أحلامنا للمرحلة المابعد داعشية؟

هل رفعنا الوطن (مستقبله، آماله، طموحاته، أمنه، استقلاله، قداسة أرضه ومقدراته) كقيمة لها الأولوية، وتتصاغر حولها ودونها كل الأولويات، ليتبلور عن هذا شخصية وطنية متماسكة تعجز التيارات المتطرفة عن العبث بها؟

هل خطونا المزيد من الخطوات باتجاه ملامح الدولة المدنية الحديثة، عبر تخصيب أرضية التعايش والتسامح، الاحتفاء بالتعددية كمصدر ثراء وإثراء مجتمعي، مع شفافية ومحاسبية مصدرها مرجعيات قانونية دستورية تظلل الجميع؟

هل نتجه نحو وعي معرفي تعليمي، يجعل من خرائط العالم مشروعاً للاكتشاف والدهشة والركام المعرفي الذي يصنع فرقاً، ونحيّد تلك الخرائط التي شطرت العالم حولنا إلى دار حرب ودار سلم؟ وعي معرفي لا يلوح بسكين القطعيات تجاه المخالف، بل يعرف بأن جوابه صح يحتمل الخطأ وجواب غيره خطأ يحتمل الصحة؟

هل أدركنا الفوارق بين أعراف قرية صحراوية مغمورة، ومتطلبات مدن شاسعة، تزدحم بالسكان والشعوب والأعراق، الذين يحتاجون جميعاً إلى حيز لصناعة الجمال، المدنية، التحضر، والفنون والآداب، كشرط أساسي لنحقق إنسانيتهم، وتهذيب نزعاتهم، والسمو بأذواقهم؟

هل نعي بأن هناك ثقافة استهلاكية عالمية تسعى لالتقام المنطقة بقضمة واحدة كبيرة، عبر بث ثقافتها وطرق تفكيرها وأسلوبها، ونمط عيشها الذي يعبث بالغرائز، ويبحر بالمستهلكين نحو الهشاشة المفرغة من العمق والمعنى؟

هل نستطيع أن نفكك لغة التذمر والتشكك الدائمين من تفاصيل خططنا المستقبلية 2030، ونستعد لتجاوز صعوبات المرحلة الانتقالية بنوع من النضج والوعي الذي يستشرف أرض البشارات القادمة؟

المرحلة المابعد داعشية على وشك الدخول، وهي بحاجة لخطط وأجندات واضحة وجاهزة للتطبيق.