حسام عبد البصير

كما هو ثابت، ان ما يجري في ليبيا من عدم استقرار وحروب طاحنة يؤثر على الداخل المصري وفقا لمعطيات التاريخ والجغرافيا. لأجل ذلك فإن ما يجري من ترتيبات على الأرض أملاً في استقرر ذلك البلد المنكوب يجب أن يمر من القاهرة ـ لهذا تعلقت الآمال باجتماع القاهرة الأخير الذي تم عبر لجنة شكلتها مؤسسة الرئاسة المصرية وجاء على إثر انسداد الأفق السياسي وتردي الأوضاع على الأرض في ليبيا، وتعثر اتفاق الصخيرات، حيث دعت القاهرة عدة قوى وشخصيات ليبية لمناقشة إمكانية إيجاد أفق سياسي أو تحريك حالة الجمود المخيمة على الساحة الليبية. 


ومن قناعة الحكومة المصرية بأن آثار عدم استقرار الأوضاع في ليبيا على تؤثر على المصالح المصرية حرص المسؤولين المصريين على عودة الوحدة والأمن لليبيا ورأت القاهرة ان تلك الاجتماعات تعد بمثابة تصحيح للبوصلة السياسية نحو التعاطي مع أزمة البلد المجاور لحدودنا وقد ضم الاجتماع قيادات مصرية مهمة وبحضور قرابة 45 شخصية ليبية بارزة. 
الاجتماعات، عقدت أيضاً بمشاركة وزير خارجية مصر سامح شكري وإشراف الفريق محمود حجازي، رئيس أركان الجيش المصري، الذي تقلد في السابق منصب مدير المخابرات الحربية، وكان مسؤولا عن الملف الليبي، استهدفت في الأساس سد الفجوة بين أطراف الأزمة الليبية، التي تفاقمت إثر التطورات التي شهدتها المواجهة مع تنظيم «الدولة» الإرهابي، ومواجهته في بقاع ساخنة ومناطق متعددة من الأراضي الليبية، من بينها سرت وبنغازي. وقد شاركت في الاجتماعات شخصيات ليبية بارزة بينها أعضاء في مجلس النواب وأعضاء مجالس بلدية، وأعضاء في حكومة الوفاق برئاسة فايز السراج، والحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، فضلاً عن مستشارين لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر وممثل عن أحمد قذاف الدم، والمنسق العام السابق للعلاقات المصرية-الليبية. وفيما يبدو رداً على من يتهمون القاهرة بدعم حفتر على غيره من القوى الوطنية، أشار الناطق بلسان الخارجية المصرية احمد ابو زيد ان التحرك المصري جاء في ظل المبادرة التي تقودها الدولة المصرية للم شمل الفرقاء الليبيين للوصول لصيغة توافقية يكون أساسها اتفاق الصخيرات الموقع في المغرب، وبحث تعديل لجنة الحوار السياسي وإعادة تشكيل المجلس الرئاسي بحيث يصبح من رئيس ونائبين مشدداً على حرص مصر دعم سيادة الدولة الليبية ومنع الدول الأجنبية من التدخل في الشأن الداخلي لذلك البلد الشقيق.

نحن هنا

اللقاء الذي يصفه البعض بالتاريخي ليس الأول وإن كان الأبرز حتى الآن، فقد استقبلت القاهرة رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي فايز السراج والمشير خليفة حفتر والمبعوث الأممي كوبلر. غير أن المعضلة التي ظلت تواجه صانع القرار المصري في السابق تمثلت في عجزه في ترتيب لقاءات مباشرة بين أطراف الأزمة الليبية.
لأجل ذلك جاء الاجتماع الاخير ليمثل نقطة ضوء وسط مساحة حالكة السواد تخيم على الأوضاع في البلد الذي واجه خيارات قاسية، خاصة أن الحوارات التي جرت اتسمت بالصراحة وغلبت عليها الشفافية، واتفق الحاضرون على تمسكهم باتفاق الصخيرات، باعتباره الورقة السياسية التي تحظى بالقبول الدولي لحل الأزمة السياسية وإن رأت بعض الأطراف اهمية إدخال تعديلات جوهرية على ذلك الاتفاق. 
وحرص الجانب المصري الذي يريد ان يكون اللاعب الرئيسي في التوصل لاتفاق حاسم للوضع في ليبيا كي يتمكن من لملمة جراحها والوقوف على قدميها من جديد. ويطمح صانع القرار المصري لعودة بلاده وكيلاً حصرياً لرأب الخلافات في البلدان العربية بعيداً عن الشركاء المتنافسين حيث تقلص دوره على مدار السنوات الماضية ما جعل القاهرة غير فاعلة اقليما.
واستهدفت ورقة العمل المصرية، التي طرحت في اجتماع الفرقاء الليبيين التوصل لخريطة طريق تنهي الأزمة وفي التوصل إلى مجموعة من التوصيات ابرزها دعوة جميع القوى الوطنية إلى مواصلة النقاش حول الأسباب التي تحول دون التوصل لحل نهائي للأزمة الليبية، واحياء الاتفاق الذي تم برعاية الأمم المتحدة بعد إدخال بعض التعديلات على ما اقره من أحكام وبنود لإنهاء حالة الانقسام التي تعيشها البلاد منذ عام 2014.

مخاوف مشروعة

ورغم جرعة الاوكسجين التي منحها مؤتمر القاهرة للشركاء الراغبين في عودة الاستقرار إلى ليبيا إلا ان بعض الأصوات في الداخل الليبي ما زالت متوجسة من قرب التوصل لحل يحسم النزاع ومن بينها رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، محمد صوان، الذي أكد أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فشل حتى الآن في تحقيق الحد الأدنى للأداء التنفيذي. مشدداً على ان أبرز المخاطر التي تواجه الليبيين تتمثل في عودة الديكتاتورية العسكرية مرة أخرى. ومن أبرز المخاوف التي تبديها بعض الأطراف الليبية تجاه تعاطي القاهرة مع الأزمة ان تركن السلطات المصرية في فهمها للوضع الليبي على رؤية طرف واحد من أطراف الصراع، بالاضافة لضرورة تصحيح وجهة نظر مستقرة في ذهنية النظام المصري تتمثل في ان ما يجري في مصر من صراع داخلي مع جماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها يتقاطع بشكل أو بآخر مع ما يجري في ليبيا.

أمل

ومن بين الأسباب التي تدعو البعض للتفاؤل بنجاح المساعي المصرية في محو الشقاق بين القوى المتنافرة في ليبيا، انفتاح القاهرة على كافة القوى السياسية هناك، ففيما كان خليفة حفتر الشخصية المرحب بها في المقام الأول، باتت مصر قبلة لقوى تنتمي للطيف السياسي والعسكري المتنوع وهو ما يعد تحولاً لافتاً له دلالاته. ومن أبرز الزائرين، برلمان طبرق وعقيلة صالح والبرلمان المنتهية ولايته ومنهم من يمثل حكومة طرابلس والقوى الفاعلة التي تدير الأمور على الأرض ووفد مصراته التي تعد بمثابة العاصمة السياسية للإسلاميين. ومن اللافت ان الحكومة المصرية التي ظلت تصم آذانها حول الدعاوى المطالبة باتساع صدرها لكافة ألوان الطيف السياسي كي تتمكن من استعادة دورها كلاعب رئيسي قد استجابت لذلك المطلب مؤخراً بعد ان خسرت الكثير من الوقت والعديد من الأصدقاء ونظرة متأنية للطريقة التي كانت تتعامل بها مع الشأن الليبي.