لبنان: جنبلاط يعود لرئاسة الحزب الاشتراكي ويترك النيابة لتيمور… ويدعو إلى الستين معدلاً

هل تعيد المواجهة حول قانون الانتخاب فتح جراحات الصراع التاريخي بين الدروز والموارنة؟

سعد الياس

 خلافاً لما أعلنه قبل حوالي سنتين، لم يستقل النائب وليد جنبلاط من رئاسة الحزب التقدمي الاشتراكي لصالح نجله تيمور بل فاز برئاسة الحزب مجدداً تاركاً على الأرجح المقعد النيابي الدرزي في الشوف في الانتخابات النيابية المقبلة لصالح ابنه.

وبصفته رئيساً للحزب الاشتراكي افتتح جنبلاط الأب امس المؤتمر العام الـ 47 للحزب في فندق فينيسيا تحت عنوان «نحو حقبة جديدة من النضال السياسي والاجتماعي» وأطلق موقفاً طمأن فيه إلى مسار المصالحة مع المسيحيين في الجبل التي تبدو أمام أهم اختبار منذ العام 2001 نتيجة ما يشهده شد الحبال حول قانون الانتخاب من تهديد للخصوصية الدرزية في الشوف وعاليه إزاء ما تعتبره الثنائية المسيحية وتحديداً التيار الوطني الحر من حاجة لاستعادة الحقوق المسيحية واسترداد مقاعد النواب المسيحيين من كتلة اللقاء الديموقراطي.
وإذا كان إنكفاء النائب جنبلاط في هذه المرحلة عن رئاسة الحزب ولو لم يكن إنكفاء عن الحياة السياسية سيُعتبر في غير وقته طالما بقي الرئيس السوري بشار الأسد على رأس النظام في سوريا وطالما سيعرّض هذا الانكفاء جنبلاط الابن تيمور لخوض تحديات كبيرة، فإن استمرار الزعيم الدرزي في موقعه بناء لنصيحة كثيرين وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري من شأنه أن يبقي الزخم في روحية الحزب الاشتراكي ومناصريه وأن يحصّن ساحة الجبل التي قد تهتز في حال انزلق الخطاب الطائفي أكثر فأكثر حول من يملك زمام الأمور في جبل لبنان الجنوبي في ترجمة للصراع التاريخي بين الدروز والموارنة على تزعّم هذه المنطقة منذ أيام الأمراء إلى سنة 1860 مروراً بصراع الرئيس كميل شمعون والمعلم كمال جنبلاط وصولاً إلى حرب الجبل في العام 1982.
ويتخذ الصراع حول الشوف وعاليه هذه المرة الصراع الانتخابي حول قانون الانتخاب. فالنائب وليد جنبلاط الذي كان وافق على اقتراح قانون مختلط بين النسبي والأكثري مع تيار المستقبل والقوات اللبنانية للتخلص من مشروع اللقاء الاورثوذكسي الذي تنتخب بموجبه كل طائفة وكل مذهب نوابها، عاد وسحب موافقته على المختلط وطرح التمسك بقانون الستين وبجعل الشوف وعاليه دائرة واحدة وهو ما كانت وافقت عليه القوات في تقسيم محافظة جبل لبنان.ما جعله يصطدم بأحد طرفي الثنائية المسيحية أي التيار الوطني الحر الذي جاهر رئيسه الوزير جبران باسيل في اجتماع مغلق بهدفه منع النائب جنبلاط من أن يكون له نائب مسيحي. 
تزامناً، صوّب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على النائب جنبلاط من دون تسميته فانتقد مَن «قال حدودكم هنا ولا يُمكن أن تتخطوها ولحمي لا يؤكل. أنا أسأل: مين عم ياكل لحم الآخر؟ عم تاخد حقك وزيادة».
وأضاف «الأزمة القائمة حول قانون الانتخاب تكمن في أن كل واحد يريد أن يسحق الأقلية الموجودة في طائفته لأنه لا يريد لها أن تتمثل، ويريد أن يمد يده إلى جيب الآخر كي يشلّحه عدداً من المقاعد، وهذا لا يعمّر وطناً. لذلك، إنني مصمّم على المواجهة».
وكانت مواقع التواصل الاجتماعي بدأت تشهد عبارات يتعبّر عن حجم التوتر على خلفية محاولة تهميش الخصوصية الدرزية أو استهداف الحضور السياسي لسيّد المختارة.
وتسرّب أن أي اقرار لقانون انتخابي لا يلحظ الحيثية الجنبلاطية سيعني أن «صناديق الاقتراع لن تدخل مناطقنا من دير العشائر إلى نيحا ومن باتر إلى كفرسلوان».
وفي ظل هذا الخطاب المتوتر وفي ظل عدم خشية الرئيس عون من الذهاب إلى الفراغ في مجلس النواب إذا خّيّر بينه وبين التمديد أو قانون الستين، ترقّبت الأوساط كلمة النائب جنبلاط امس حيث أكد في حضور عدد من النواب المسيحيين في كتلته «ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وليس بالضرورة على أساس الستين، ولكن يمكن إجراؤها على أساس ستين معدَّل»، مشيراً إلى أنه «نستطيع أن نلقى صيغة لستين معدل وإلا فلنذهب مباشرةً إلى تطبيق الطائف، الذي قد يطبق كاملأ أو نطبقه تدريجياً وفق ظروف البلاد»، مشدداً على «الشراكة والتعاون السياسي، وأن اللقاء الديمقراطي منفتح إلى أقصى الحدود لزيادة هذه الشراكة مع كل الأحزاب والتيارات والفئات السياسية، إذ أن التعدد هو جوهر لبنان».
ولفت جنبلاط إلى «أن التاريخ في لبنان مبني على التنوع وقبول الآخر، وليس هناك أي خطر وأي خوف، وموقف اللقاء الديمقراطي المتنوع في الجبل وعاليه والشوف والمتن وبيروت هو الأساس، وتذكرون كم وقف هذا اللقاء مع رفاقه في لائحة الشرف في مواجهة التمديد وغيرها من المحطات».
وقال «السياسةُ فيها خلافات أحياناً في وجهات النظر وخلافات ظرفية وطويلة وآنية، وفيها شراكة أو شراكات، ولذلك أشدد وأؤكد مجدداً أنه ليس هناك أي استهداف لأي مكونٍ آخر، والموضوع المطروح في الإعلام حول الصيغة المختلطة لقانون الانتخاب، هي برأيي خارج إطار اتفاق الطائف».
وأضاف «إنَّ نقل مقاعد نيابية يطعن بالتعدد، ولا نريد حصر طائفةٍ أو مذهب في مكانٍ معين لأن ذلك مخالف للتنوع، والشراكة موجودة مع القوات والأحرار والمستقبل وحزب الله وحركة أمل والجماعة الإسلامية، ونؤكد على الشراكة مع التيار الوطني الحر»، وقال: «نحن 11 نائباً في المجلس النيابي، وقد ننقص أو نزداد، وذلك تبعاً لمصلحة الشراكة والتعدد، وكما أننا نؤكد على مصالحة الجبل التي هي أهم من مسألة عدد في مجلس النواب».
وأكَّد أنَّ «الطائف أعاد النظر بالدوائر الانتخابية وبعدد المحافظات، كما نص على إنشاء مجلس الشيوخ الذي تتمثل فيه جميع الطوائف بالتساوي بعد إلغاء الطائفية السياسية، التي نستطيع إلغاءها تدريجياً أو كاملاً مع الاحتفاظ ببعض الأعراف السياسية كأن يبقى رئيس الجمهورية مسيحياً. وعندما نلغي الطائفية السياسية وعندما يصبح مجلس النواب غير طائفي، عندها نطبق النسبية كاملةً أو جزءاً منها، ويمكن أن نأتي بالنسبية، وهذه مقاربتي كي لا يقال إننا نرفض أي حل».
وقال جنبلاط: «عندما نرى النار تحترق من حولنا في سوريا والعراق واليمن وغيرها من المناطق، نستطيع أن نقول إننا نعيش في حالةِ أمنٍ واستقرار، ولكننا لا نستطيع أن نركن كثيراً، ونحن ملزمون بالالتفاف حول المؤسسات الأمنية بعيداً عن الخلافات السياسية، مع العلم أنَّنا قد نشهد أحداثاً أمنية صغيرة، ولكننا بمنأى عن النيران في الوقت الحاضر»، متمنياً على «الحكومة التي نتمثل فيها بوزيرين مواجهة المشاكل السياسية والمعيشية والبنوية وسنعمل مع هذا العهد والجميع لإنجاحه».
وعن الوضع الإقليمي، لفت جنبلاط إلى أنَّه «قد يكون هناك بارقة أمل في سوريا، بعدما سمعنا وقرأنا أنَّ هناك دستوراً مقترحاً على مختلف الأفرقاء، وقد يكون ذلك بداية الحل لإنقاذ سوريا والشعب السوري من هذه المحن». وقال: «فلسطين متروكة للاستيطان الكامل والمتوحش، وهناك ومضات من المساعدة المعنوية التي جرت من قبل الفرنسيين في مؤتمر باريس الذي أيد الحل السياسي وحل الدولتين، إلاَّ أنَّ هذه الإدارات على وشك الانتهاء وهناك انتخابات قريبة في الغرب ولا ندري من سيأتي لاحقاً».
وعلى الصعيد الدولي، اعتبر أنَّه «لا يمكن لأحدٍ أن يتنبَّأ ما سيحدث مع هذه الإدارة الأمريكية الجديدة، ولكن هناك بارقة أمل كيف أن المؤسسات، وخاصة المؤسسة القضائية الفيدرالية تنقضُ أمراً يميزُ بين المواطنين الأمريكيين والمواطنين في العالم، وعلى أمل أن تستقر الولايات المتحدة الأمريكية على حل، إذ أن استقرارها هو استقرار للعالم، وإن لم يكن ذلك فإننا سندخل في المجهول وخصوصاً في منطقتنا بالتحديد».
وفي ختام المؤتمر، أعلنت اللجنة الانتخابية في الحزب التقدمي الاشتراكي نتائج انتخابات مجلس قيادة الحزب، وفاز كل من ريما صليبا وغيتا ضاهر وبهاء أبو كروم وسرحان سرحان وعفراء عيد وياسر ملاعب وطارق خليل ووليد صفير وطانيوس الزغبي وخضر الغضبان ووليد خطار ولما حريز وميلار السيد وربيع عاشور وأحمد مهدي.
وعيّن رئيس الحزب وليد جنبلاط بموجب الدستور في مجلس القيادة كلاً من أبو علي درويش وخالد صعب ونشأت الحسنية ومحمد بصبوص وجهاد الزهيري.
وكان أعلن قبل أيام فوز جنبلاط برئاسة الحزب ونائبي الرئيس دريد ياغي وكمال معوض وأمين السر العام ظافر ناصر بالتزكية.