تهديد بارزاني للمالكي: إيَّاك أعني وافهمي يا جارة!

 صالح القلاب

مع أن شيعة الجنوب العراقي العرب قد طردوه، في آخر محاولة لزيارتهم، شر طردة، وهتفوا ضده بالشتائم والاتهامات، ومع أن حزب الدعوة الذي يتزعمه يدعي أنه هو من أسقط نظام صدام حسين، رغم أنه عاد إلى العراق مع من عادوا من المنافي البعيدة والقريبة، على ظهور الدبابات الأميركية، ثم ومع أنه قد سلم الموصل بطلب، بل بأوامر وتعليمات من طهران، فإنه (أي نوري المالكي) مصرٌّ على أنه من حقه، كوكيل لإيران وكبار معمميها، أن يعود لحكم بلاد الرافدين، وبالحديد والنار، وبالاعتماد على عشرات التنظيمات والتشكيلات الطائفية والمذهبية المنضوي بعضها في «ميليشيات» الحشد الشعبي، بقيادة جنرال حراس الثورة الإيرانية قاسم سليماني.
ولإثبات ولائه المطلق لجنرالات حراس الثورة الإيرانية ولكبار معممي طهران، فإن نوري المالكي الذي لم يكن يحلم في أي يوم من الأيام بالعودة إلى العراق، لولا الغزو الأميركي الذي بات يعترف حتى بعض أصحابه في إدارة جورج بوش الابن بأنه سبب كل هذه المصائب التي باتت تحل بهذه المنطقة، قد دأب في الفترة الأخيرة، من أجل إثبات تبعيته وولائه المطلق لهذا النظام الإيراني الذي بات يحتل عاصمتين عربيتين، هما بغداد ودمشق، على استهداف الأردن ودول عربية أخرى بالشتائم والاتهامات الكاذبة التي تعوزها المصداقية، والتي لا مكان لها من الصحة، ولا بأي صورة من الصور!!
ثم ولتقديم المزيد من أوراق الولاء والتبعية لطهران، فإن نوري المالكي قد استهدف أيضًا، في الفترة الأخيرة، الزعيم الكردي مسعود بارزاني، والمعروف أنه كان قد افتعل مشكلة مع ممثل حزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، هوشيار زيباري في هذه الحكومة العراقية التي يرأسها حيدر العبادي، أدت إلى تنحيته، والسبب هو أن رئيس إقليم كردستان العراق كان قد رفض في وقت سابق يعود لتسعينات القرن الماضي إعطاء إيران ممرًا عسكريًا بريًا عبر أراضي الإقليم يربط إيران بسوريا، وواصل هذا الرفض في السنوات اللاحقة، رغم ضغط كثير من القادة الإيرانيين المتواصل، ومن بينهم الجنرال قاسم سليماني.
ما كان الإيرانيون يرغبون في مشاركة قوات الـ«بيشمركة»، التي تعتبر القوات المسلحة لإقليم كردستان العراق بقيادة الرئيس مسعود بارزاني الذي كان قد رافق هذه الـ«بيشمركة» التي تعني «الفدائيين» باللغة الكردية «البهدنانية» منذ البدايات، في حرب تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي لأنهم لا يريدون بروز الأكراد في هذه المهمة النبيلة إلى جانب أكثر من ستين دولة عالمية، على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ولأنهم بالأساس لا يعترفون بهذا الشعب الكردي ولا بهذه الأمة الكردية، ولأنه أيضًا لديهم هواجس ومخاوف تاريخية من قيام دولة كردية على غرار جمهورية مهاباد في كردستان الإيرانية التي كان وزير دفاعها الملا مصطفى بارزاني، والتي لم تعمر إلا لأحد عشر شهرًا، حيث تم إسقاطها بمؤامرة شارك فيها الاتحاد السوفياتي، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية ونظام الشاه الأسبق الأب رضا بهلوي. وحقيقة إن تبعية نوري المالكي لإيران، التي أثار غضبها رفض مسعود بارزاني تلبية ما كانت قد طلبته من إعطائها الممر البري الذي يربطها جغرافيًا بسوريا، هي التي جعلته يناصب هذا الزعيم الكردي العداء، وذلك مع أنه كان في سنوات العسرة، مثله مثل معظم قادة تنظيمات «المعارضة العراقية»، يعتبر ضيفًا دائمًا في إقليم كردستان العراق، وعلى الرحب والسعة، وعلى اعتبار أن هذا الإقليم أصبح منطقة عراقية محررة، ومنطلقًا للوصول إلى بغداد لإسقاط نظام صدام حسين الذي كان خاض كما هو معروف حرب الثمانية أعوام مع الدولة الإيرانية الخمينية.
وهنا، فإنَّ كثيرين ربما لا يعرفون لماذا ردَّ مسعود بارزاني على رئيس الوزراء العراقي الأسبق، الذي يعتبر نفسه الأكثر أحقية بأن يكون وكيل الولي الفقيه ودولته في العراق، بالتأكيد وفي تصريح معلن على أنه إذا عاد نوري المالكي إلى موقع رئيس الوزراء في بغداد، فإنه سيبادر فورًا إلى إعلان الدولة الكردية المستقلة في إقليم شمال العراق الكردستاني الذي يتمتع الآن بالحكم الذاتي، لكنه في حقيقة الأمر بات يشكل دولة مستقلة ذات سيادة كاملة تقيم علاقات دبلوماسية مع كثير من دول العالم، ولها جيش وطني فعلي، هو قوات الـ«بيشمركة» الآنفة الذكر.
لقد لوّح مسعود بارزاني بإعلان استقلال إقليم كردستان العراق عن الدولة العراقية المركزية فور عودة نوري المالكي رئيسًا للوزراء في هذه الدولة، لأنه يعرف تمام المعرفة من أي ذراع يمسك بإيران التي هي أكثر ما يخيفها ويؤلمها هو ظهور دولة كردية مستقلة في هذه المنطقة، إنْ في تركيا وإنْ في الإقليم الكردستاني العراقي، فـ«جمهورية مهاباد» لا تزال حاضرة حتى الآن في أذهان الذين يحكمون في إيران، وأولهم الولي الفقيه علي خامنئي الذي ينتمي أساسًا للقومية الآذارية – التركية، والذي يعرف تمام المعرفة أن حصول الكرد على استقلالهم في إحدى الدول التي يوجدون فيها سيعزز النزعة الاستقلالية لدى الأكراد الإيرانيين، مما سيؤدي حتمًا إلى تشظي جمهورية إيران الإسلامية التي تخشى انتفاضة المجموعات القومية الأخرى، ومن بينها الأكراد الذين يقال إن عددهم يقترب من التسعة ملايين، والآذاريون الذين يشكلون القومية الثانية بعد القومية الفارسية، وبالطبع العرب والبلوش والقوميات الصغيرة الأخرى التي توصف بأنها تعاني من اضطهاد تاريخي بقي متواصلاً ومستمرًا حتى بعد الثورة الخمينية في عام 1979.
إن هذا هو ما يؤرق الآن حكام طهران الذين بادروا لتبديد هذه المخاوف بالتمدد في العراق وفي سوريا ولبنان... وأيضًا في اليمن، والذين بادروا أيضًا لإثارة المشكلات المذهبية والطائفية في بعض الدول المجاورة، وفي مقدمتها بعض دول الخليج العربي، ولذلك فإنه إذا جد الجد، كما يقال، وأصبح نوري المالكي مرة أخرى رئيسًا للوزراء في بغداد، ورد عليه مسعود بارزاني بإعلان إقليم كردستان العراقي دولة مستقلة، فإنه على العرب ألا يعارضوا هذه الخطوة، وذلك لأن هناك حكمة أبدية تقول: «عدو عدوي صديقي»، ولأن عدوى الاستقلال ستنتقل فورًا إلى كردستان الإيرانية، ولأن «جمهورية مهاباد» ستظهر مرة أخرى، ولكن بصورة أكثر جدية هذه المرة، ولأن الإيرانيين بعد هذا التطور سينشغلون بمشكلاتهم، وسيضطرون لوقف تمددهم، ووضع حد لما يثيرونه من مشكلات وإشكالات في هذه المنطقة العربية.
إنه على العرب ألاّ ينظروا إلى النزعة الاستقلالية الكردية بعين الريبة، وبخاصة بعد كل هذه المتغيرات التي تشهدها هذه المنطقة، فلحظة حق هذا الشعب قد اقتربت، وعلينا أن ندعمه كشعب شقيق في الحصول على هذا الحق.. .