سمير عطا الله

 يوم صدور تحية مشاري الذايدي «مجلس مولانا رضوان السيد» اتصلت بالدكتور الأستاذ وقلت له «هذا الذايدي زوَّر توقيعي. وكل كلمة ادعاها عنك، أنا كاتبها. وهناك كلام كثير لم يظهر لضيق المساحة». ويوم صدرت تحية تركي الدخيل الرائعة «في بلاد الطيبين»، خطر لي أن أتصل بالسودانيين فردًا فردًا لأقول لهم إن الزميل متعدد الكفاءات، سبقني إلى كل تلك الأفكار وسبكها في أسلوبه الانسيابي، وأجمل ما فيها أنه كان صادقًا مثل أهل السودان، وطيبًا مثلهم، وإلا فكيف يمكن لامرئ أن يكتب عن بلاد التجاني يوسف بشير ومحمد الفيتوري والطيب صالح ومحمد أحمد محجوب، وذلك العقد الذهبي الفريد من محاوري النيل وحكمة الضفاف.


الردود على مقالة تركي الدخيل بلغت عددًا قياسيًا، لا أعتقد أنه عُرف من قبل. وعندما قلت على سبيل المفاكهة في المبالغة، إنه خطر لي الاتصال بكل سوداني، فوجئت بواقع لا مبالغة فيه، وهو كأن شعبًا بأكمله كتب يرد التحية إلى صاحبها باسم السودانيين، الذين ثمة إجماع لدى سائر العرب على صفتهم الأولى: طيبون.
الجميع يعرف ذلك، لكن من الجميل أحيانًا أن نذكرهم به. وأن نذكرهم بأنها ميزة غير عادية إطلاقًا، فلا يفرطون فيها. ولكن التحية، خصوصًا إلى تركي ومشاري والمصباح الذي يبحثان في ضوئه عن صفات وميزات ذويها وأصحابها. وإنني أبحث كل يوم عن موهبة جديدة، أو معرفة في صحافة العرب أقرأ لأصحابها وأمتع النفس بها وتعللني بأنها مهنة يحرسها المجتهدون وذوو المواهب، ولا تؤثر بها المسحات والفوارغ والكتابة بقفا اليد.
ولأسباب صحية ونفسية ومهنية، ولها علاقة بالكرامة الإنسانية، اتخذت منذ فترة طويلة قرارًا محلّفًا عليه، بالتوقف عن قراءة كل ما لا تعني قراءته شيئا. فاليوم قصير. وفي الصحافة مادة كثيرة. وأشعر أمام بعض الأقلام أنني عدت هاويًا أتعلم من غنى الثقافات والمعارف والتجارب، وخصوصًا من عظمة السعي إلى الأفضل. ولم أستخدم كلمة عظمة في خفّة أو في حماس، بل في نشوة روحانية. هل أشعر بالغيرة؟ الحسد شعور مقيت وإقرار بِخسّة النفس. قال ياسين الحاج صالح لجيزيل خوري في برنامجها الذائع (بي بي سي) إنه يطرد عن نفسه أي شعور بالانتقام لكي لا يحتقر نفسه ويتجرد من كرامته. عندما نستعرض، زملاء ورفاقًا، عمالقة الصحافة، نرى أن ميزاتهم متشابهة جدًا. جميعهم كانوا كبارًا يفتحون الأبواب وسيعة للناجحين واللامعين، مدركين أنهم يكبرون بالكبار ولا يصغرهم صغير. والدور الكبرى لم تكبر بأصحابها وحدهم، لأن ذلك ضد منطق العمل والنجاح. والذين خالفوا هذا المنطق من صغار النفوس، انتهوا في زوايا معتمة.
كان يقال إن الصحافة مهنة عقوق. وهذا غير صحيح. لا أعرف مهنة مخلصة مثلها. ولا أعرف صاحب موهبة أو اجتهاد لم تفه المهنة موهبته وجهده. الذين يتهمونها بالعقوق، هم الذين كان يجب أن يختاروا مهنة أخرى. الفاشلون أو المتطفلون، أو مقلدو أنفسهم..