راجح الخوري

أطلقت جماعة الإخوان المسلمين حملة علاقات عامة قوية في كواليس البيت الأبيض، في محاولة لاستعادة أو للحفاظ على الحظوة التي كانت لها في عهد باراك أوباما، ورهانه المعروف على ماُسمي «الإسلام السياسي» الذي يمكن أن تمثله هذه الجماعة في المنطقة العربية، وقد صّورته كوندوليزا رايس، عندما كانت وزيرة للخارجية، على أنه مشروع جيد، يمكن أن يجعل من الدول العربية حوًضا متعاوًنا ومتفاعلاً على طريقة اتحاد الدول الأوروبية.

قبل الحديث عن الدعم القوي الذي تلقته جماعة الإخوان من إدارة أوباما، وقد تبّين بالأرقام أن الكونغرس كان قد أقر لهم بعدما تمكنوا من السطو على الثورة المصرية ثمانية مليارات دولار، من الضروري التوقف عند حالة الإرباك والقلق التي تصيبهم الآن، خصوًصا بعدما قّدم السيناتور الجمهوري والمرشح الرئاسي السابق تيد كروز في بداية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، مشروع قانون إلى مجلس الشيوخ يدعو إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين والحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة التنظيمات الإرهابية.

أصيبت الجماعة بالحمى بعدما قرأت تغريدة كروز على «تويتر» التي قالت: «إنني فخور بتقديم مشروع قانون تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. لقد حان الوقت فعلاً لتسمية عدونا باسمه الحقيقي، ومشروع القانون الذي تقدمت به يلزم بالضرورة وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تقرير علمي إلى الكونغرس يظهر مدى مطابقة معايير المنظمات الإرهابية على حركة الإخوان».

لم يتوقف الأمر عند مبادرة السيناتور كروز، فقد تبّين أن في الأوساط السياسية الأميركية من يلقي باللوم على إدارة أوباما التي راهنت على الإخوان ودعمتهم حتى ضد الثورة والشعب المصري، مفترضة أن مصر ستكون قاعدة انطلاق لأخونة المنطقة العربية كلها، وهكذا سارع عضو الكونغرس الجمهوري ماريو دياز بالارت إلى تقديم مشروع قانون مشابه في مجلس النواب الأميركي دعا فيه أيًضا الخارجية الأميركية إلى تصنيف جماعة الإخوان منظمة إرهابية.

مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض انهارت منظومة واسعة من العلاقات العامة التي نسجتها جماعة الإخوان بتشجيع من إدارة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون تحديًدا، وليس خافًيا على أحد أن أوباما ظل ينعت الثورة المصرية التي حملت 30 مليوًنا إلى الشوارع ضد حكم محمد مرسي والإخوان، بأنها انقلاب عسكري، مقامًرا بكل قواعد العلاقات الدافئة مع مصر، كما لا يخفى أن سفيرة واشنطن في القاهرة آن باترسون ظّلت حتى اللحظة الأخيرة تحّض مرسي، وجماعته، على أن يواصل حكم مصر من «رابعة العدوية»!

قصة العلاقة بين إدارة أوباما وجماعة الإخوان تطول، ولكن الأسئلة لم تتوقف قط: هل دفعت أميركا المليارات الثمانية لمرسي والإخوان لكي تحصل في المقابل على سيناء، كما قالت وسائل الإعلام المصرية في حينه، أم لضمان أمن إسرائيل والمصالح الأميركية في المنطقة، أم أن الإخوان كانوا مكّلفين من إدارة أوباما القيام بالدور الرئيسي لتنفيذ مخطط «الشرق الأوسط الكبير» وبدء مشروع الفوضى الخلاقة الذي بشرت به كوندوليزا رايس؟

ما يجري الآن هو أن الجماعة استنهضت صداقاتها مع الإدارة السابقة، خصوًصا مع بعض المقربين من هيلاري كلينتون، وبدأت حملة علاقات عامة في واشنطن وداخل كواليس الإدارة الأميركية الجديدة، هدفها قطع الطريق على مشاريع القوانين التي تهدف إلى تصنيفها منظمة إرهابية، وفي تقارير دبلوماسية غربية أن شركة «غلوفر بارك غروب» المختصة بالدعاية والعلاقات العامة حصلت على عقد مع الإخوان تحصل بموجبه على خمسة ملايين دولار أميركي، لقاء اتصالات وخدمات تقوم بها لتسهيل وترتيب مواعيد بين مسؤولين في إدارة ترمب وعدد من قيادات الإخوان، في مسعى واضح لقطع الطريق على مشاريع تصنيف الحركة في خانة الإرهاب.

وتفيد التقارير الدبلوماسية المذكورة بأن شخصيات من الحزب الديمقراطي مقربة من أوباما، كانت قد عملت في نطاق حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، سّهلت عملية التعاقد مع الإخوان، وفي هذا السياق تقول التقارير إن جوناثان كوب الذي يتولى الإدارة التنفيذية في الشركة المذكورة والذي يعمل في مكتب كلينتون للمحاماة، وسبق أن عمل محامًيا عند بيل كلينتون يوم كان في البيت الأبيض عام 1993 قام بدور محوري في ترتيب العقد بين الشركة وجماعة الإخوان.

وتفيد التقارير بأن شركة «غلوفر بارك غروب» تضم مجموعة من الذين عملوا سابًقا في البيت الأبيضووزارة الخارجية، ولهم علاقات حميمة مع أعضاء في الكونغرس ومراكز صنع القرار ومؤسسات الدراسات الاستراتيجية، ومن هؤلاء نائبة الرئيس التنفيذي للشركة سارة واكر التي سبق أن عملت في سياق نشاطات الأمم المتحدة في العراق.

وفي خلاصة التقارير الدبلوماسية أن الشركة تتعهد بترتيب لقاءات بين أعضاء من إدارة ترمب وعدد من أعضاء الكونغرس الأميركي، وبين قياديين من جماعة الإخوان سيعملون على تغيير الصورة التي تبين الحركة وكأنها من المنظمات الإرهابية، وفي هذا السياق يقول محمد سودان، مسؤول لجنة العلاقات الخارجية في الإخوان، إن «الجماعة تتحرك معتمدة على ترتيبات تؤمنها شركة للعلاقات العامة، تتولى ترتيب التواصل مع المؤسسات والشخصيات الأميركية المختلفة لتصحيح الصورة لديهم، وتوضيح حقيقة الأمور التي قد لا تكون واضحة لديهم»!

ومن الواضح أن الحركة تنخرط في معركة علاقات عامة في مواجهة مشاريع تصنيفها حركة إرهابية. ويقول سودان، إنه سبق لشخصيات من الحزب الجمهوري أن سعوا دائًما لإقرار مشاريع تصّنف جماعة الإخوان تحت خانة الإرهاب، و«لكننا لن نرضى أو نصمت، وسنقوم بحملة اتصالات واسعة مع البيت الأبيض ووزارة الخارجية لتوضيح الأمر».

تغلُغل الإخوان في إدارة أوباما ذهب بعيًدا، إلى درجة أن النائب الجمهوري لوي غوميرت قال عام 2013، إن أوباما لن يكون قادًرا على حماية الأمة من التهديد الذي يشكله تنظيم داعش، بسبب سياسة إدارته التي تعتمد على استشارات وتأثير الإخوان المسلمين. وبحسب موقع «ثينك بروغرس» فإن غوميرت لم يتردد في القول إن «إدارة أوباما كانت مخترقة من قبل جماعة الإخوان المسلمين المصنفة بأنها تنظيم إرهابي في مصر والسعودية»!

وسبق لغوميرت أن اتهم الإخوان بأنهم عملوا على عرقلة التحقيقات في تفجيرات بوسطن عام 2013، وعلى خلفية كل هذا فإن السؤال يبقى: هل تتمكن الجماعة من اختراق إدارة ترمب كما فعلت مع أوباما؟