محمد برهومة

يكاد يتصدر الملف السوري أولويات السياسة الخارجية الأردنية في 2017. وجملة التحركات التي اتخذتها عمّان في هذا الصدد دفعت بعضهم إلى الحديث عن تشكّل «محور رباعي» للملف السوري، في حضور الأردن إلى جانب روسيا وإيران وتركيا في محادثات آستانة الأخيرة.

والواقع أن ثمة تعديلاً في المقاربة العسكرية والسياسية الأردنيــة حيـال الوضع الميداني في جنوب سورية، من ملامحه ما يأتي:
أولاً، تقريب مسافة الاشتباك مع التنظيمات الإرهابية في جنوب سورية، في ظل اقتراب هذه التنظيمات من الحدود الأردنية، وبعضها لديه أسلحة ثقيلة، مثل «جيش خالد بن الوليد» المبايع لـ «داعش». وليس بعيداً من ذلك تركيز الأردن على مخيم الركبان، الذي اخترقه «داعش» بعناصره، فضلاً عن أن المخيم الخاص باللاجئين أصبح «محطة استراحة» لعائلات التنظيم، ما تعتبره عمّان بوابة لتصدير الإرهابيين إلى الداخل الأردني.

ثانياً، أن قصف القوات الأردنية مواقع لـ «داعش» في جنوب سورية بداية هذا الشهر، والذي جاء بعد زيارتي الملك عبدالله الثاني موسكو وواشنطن ولقائه الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي دونالد ترامب، حمل تحولاً بإعلان الجيش الأردني أن سلاح الجو الأردني هو الذي قام بالقصف، وليس في إطار مشاركته في التحالف الدولي ضد «داعش»، الأمر الذي غلّب الطابع العسكري على مضمون الزيارة الملكية العاصمتين.

ثالثاً، أن القصف المذكور قد يكون تمهيداً للانخراط الفعلي بموضوع المناطق الآمنة التي يطرحها ترامب، بالتالي فإن الأردن اتجه إلى البدء بتنظيف مناطق درعا والسويداء وحوض اليرموك من «داعش» و«النصرة»، وعدم الاكتفاء بالجانب العسكري فقط، فإلى جانب إدارة التنسيق مع الفصائل المعتدلة في الجنوب السوري «الجبهة الجنوبية»، ثمة توسيع للتفاهم الأردني مع المكونات الاجتماعية العشائرية في الجنوب السوري، على غرار التفاهم الأردني مع عشائر غرب العراق.

رابعاً، أهمية الدور الأردني فـــي آستانة نبعت من الحاجة إلى تـــوسيــع اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية ليشمل كل سورية وعدم استثناء الجنوب السوري من ذلك.

خامساً، ليست المشاركة الأردنية في آستانة، أو الإجراءات العسكرية التي يتخذها الجانب الأردني في الجنــوب، بمعزل عن تنسيق ما مع النظام السوري في إطار تأمين المنـــاطق الحدودية، وتهيئة الظروف لاستلام الحكومة السورية مسألة تأمين حدودها مع الأردن بنفسها، في ظل رغبة الأردن بوقف التعاطي مع فصائل وجماعات مسلحة على حدوده. وقد زار وفد عسكري سوري رسمي عمّان أواخر كانون الثاني (يناير) الماضي، ولأول مرة منذ خمس سنوات، لمناقشة هذه التفاصيل، والبحث في التنسيق المتبادل في تحرير تدمر، في ظل تسهيلات روسية في هذا الاتجاه.

السؤال: هل ما تقدّم يتناغم مع الأنباء المتداولة عن أن الشهر المقبل سيشهد الإعلان عن خطة أميركية لمحاربة «داعش» في الشرق الأوسط، كان ترامب طلبها من أركان إدارته، وقد تشمل عمليات خاصة أميركية - أردنية، إلى جانب تكثيف الضربات الجوية؟ إذا صحّتْ هذه القراءة، فقد لا يكون مبالغة الحديث عن «محور رباعي» يضم عمّان إلى جانب موسكو وطهران وأنقرة، وبدعم ورعاية من ترامب بالطبع، والأرجح أن موسكو وواشنطن لا تُعارضان انضمام دول الخليج إلى هذا الجهد.