فيليب ليجرين

الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويقضي بتعليق إعادة توطين اللاجئين من حول العالم وحظر دخول مواطني سبعة بلدان ذات أغلبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، خاطئٌ على عدة مستويات. كما أنه قاسٍ، ومعادٍ للأجانب، ويمكن إثبات أنه منافٍ للدستور أيضاً. 

وعلاوة على ذلك، فإنه ما كان ليحول دون وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر أو لينقذ أرواح الـ 94 شخصاً الذي قُتلوا على التراب الأميركي منذ ذلك الوقت على أيدي متطرفين إسلاميين، وذلك لأن لا أحد من الإرهابيين المسؤولين عن تلك الفظاعات كان من اللاجئين، أو من مواطني تلك البلدان السبعة. وعلاوة على كونه خاطئا أخلاقياً، فإنه مضر اقتصادياً أيضا، لأن اللاجئين يقدمون مساهمة كبيرة للولايات المتحدة، مثلما يفعل الأشخاص القادمون من إيران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال.

تأثير إيجابي
إن اللاجئين يمثلون نسبة صغيرة جداً من سكان الولايات المتحدة –إذ دخل البلاد نحو 3.3 مليون لاجئ فقط منذ 1975 – ولكن تأثيرهم الإيجابي يفوق كثيرا حجمهم. وعلى سبيل المثال، فإن «سيرجي برين» الذي ساهم في تأسيس «جوجل» كان طفلا لاجئا من الاتحاد السوفييتي. 

وتُعتبر «ألفابت»، وهي الشركة الأم لـ«جوجل»، ثاني أهم شركة من حيث القيمة السوقية في أميركا بـ 553 مليار دولار. كما أن جان كوم الذي ساهم في تأسيس «واتساب» وماكس ليفتشن الذي ساهم في تأسيس «باي-بال» كانا لاجئين من أوكرانيا. وعلاوة على ذلك، فإن الراحل آندي جروف، الذي ساهم في تأسيس «إنتل» وأصبح لاحقا مديرا تنفيذيا لها، فر من المجر الشيوعية. وكذلك فعل أيضا مدير صندوق التحوط وصاحب الأعمال الخيرية جورج سوروس، وتوماس بيترفي، مؤسس «إنتراكتيف بروكرز جروب»، وستيفن أودفر- هايزي، مؤسس «إير ليس كورب».

ولكن لا أحد كان يتوقع أن يحقق أولئك اللاجئون كل هذا النجاح عندما وصلوا إلى الولايات المتحدة. ولو مُنعوا من دخول الولايات المتحدة، ما كان أحد ليدرك الفرصة التي أهدرتها أميركا. 

وعليه، فتخيلوا معي ما قد يستطيع بعض من أشجع السوريين الفارين من وحشية «داعش»، ونظام الرئيس بشار الأسد الوحشي، وغارات القصف التي يأمر بها حلفاء الأسد، تحقيقه في الولايات المتحدة. وعلى أي حال، فإن والد الراحل ستيف جوبز، وهو أحد مؤسسي «أبل» ومديرها الأسطوري، التي تُعتبر أهم شركة أميركية من حيث القيمة السوقية، كان سورياًّ فر من بلده لأسباب سياسية.

إسهامات «لاجئي» القائمة السوداء
والحق أن الأشخاص القادمين من البلدان السبعة المدرجة على قائمة ترامب السوداء قدّموا مساهمات كبيرة لأميركا منذ مدة. فشركة «إيباي»، مثلا، أسسها أميركي- إيراني يدعى «بيير أوميديار». قيمتها السوقية التي تقدر بـ36.1 مليار دولار تفوق قيمة ممتلكات ترامب التجارية غير المدرجة في البورصة بكثير، بينما تفوق الثروة التي جمعها أوميديار العصامي – 8.2 مليار دولار – ضعف ثروة ترامب الذي ورث جزءا منها. 

كما أن عملاق البرامج الحاسوبية «أوراكل كورب»، الذي تقدر قيمته بـ162.2 مليار دولار، أُسس جزئياً من قبل الراحل «بوب ماينر»، الذي كان أيضاً أميركياً- إيرانياً. ولئن كانت الجاليات من البلدان الأخرى أصغر وأحدث بشكل عام، فإن أميركية- صومالية مثيرة للانتباه هي المؤلفة والناشطة أيان حرسي علي، المعروفة بانتقادها للحركات الإسلامية المتطرفة وسياسات ترامب المناوئة للمسلمين.

وما لا شك فيه أن النجاح لا يحالف كل اللاجئين والمهاجرين، ولكن الأحكام المسبقة لا تستطيع بكل تأكيد التنبؤ بنجاحهم أو فشلهم. فعندما كان اللاجئون الفيتناميون يفرون من بلدهم في أواخر السبعينيات ويلجأون إلى بلدان أخرى، كانوا يُعتبرون أشخاصا غير مرغوب فيهم وكثيرا ما كانوا يقابلون بالإبعاد. 

ولكن في نهاية المطاف سُمح للكثير منهم بالاستقرار في أميركا. ولكن عندما وصلوا كان معظمهم لا يتحدثون الانجليزية، أو يتحدثون بضع كلمات منها فقط. كما أنهم لم يكونوا يملكون مهارات مهنية تساعدهم على الاندماج في سوق العمل الأميركية. غير أن احتمال أن يكون لدى اللاجئين الفيتناميين في الولايات المتحدة اليوم عمل هو أكبر مقارنة مع الأشخاص المولودين في أميركا، كما أن متوسط دخلهم أعلى. 

وقد لعبوا دورا أساسيا في إقامة علاقات تجارة واستثمار مع فيتنام. ولعل أحد أبرز رواد الأعمال في هذا الصدد ديفيد تران، الذي أسس شركة «هاي فونج فودز». منتجها الرئيسي هو صلصة «سريراتشا» الحارة، تلك الزجاجة الحمراء الكبيرة التي نراها في كل المطاعم الفيتنامية. ومعظم ما يصنعه يصدَّر إلى آسيا، وهو شيء يفترض بترامب الحريص على توازن الميزان التجاري لأميركا أن يشيد به ويشجعه.

دور اقتصادي
ويسهم اللاجئون في الاقتصاد بعدة طرق: كعمال، ورواد أعمال، ومبتكرين، ودافعي ضرائب، ومستهلكين، ومستثمرين. كما أن جهودهم يمكن أن تساعد على خلق الوظائف، ورفع الإنتاجية وأجور العمال الأميركيين، وزيادة عوائد رأس المال، وتحفيز التجارة والاستثمارات الدولية، ودعم الابتكار وريادة الأعمال والنمو.

ثم إن البعض يقومون بأعمال تتطلب مهارات متدنية ينكف منها الأميركيون، مثل العمل في المزارع، وتنظيف المكاتب، ورعاية المسنين. وخلافاً لما يروج له من أنهم يسرقون الوظائف، فإن الدراسات تُظهر أن اللاجئين يمكّنون الأميركيين من الاشتغال في وظائف يفضلونها وذات أجور أفضل.

وفضلا عن ذلك، فإن اللاجئين من ذوي المهارات العالية – وأطفالهم المتعلمين تعليما جيدا – يمثلون مواهب قيّمة ويدعمون إنتاجية الأميركيين بمهارات مكملة. 

وعلى سبيل المثال، فإن الممرضات السوريات يمكن أن يساعدن الأطباء الأميركيين على تقديم رعاية طبية أفضل لعدد أكبر من المرضى. ذلك أن نحو 28 في المئة من اللاجئين حاصلون على الإجازة أو شهادة أعلى، وهي النسبة نفسها بين الأشخاص المولودين في الولايات المتحدة. غير أنه بين المهاجرين المدرجين على قائمة ترامب للبلدان المحظورة، فإن احتمال أن يكون لدى أولئك القادمين من إيران وليبيا وسوريا والسودان شهادة جامعية هو أكبر من المعدل الأميركي. كما أن الكثيرين منهم يعملون لحساب شركات أميركية رائدة، ولاسيما في القطاع التكنولوجي، شركات تحتاج اليوم بشدة على قرار حظر السفر الذي اتخذه ترامب.

وبغض النظر عن مستوى مهاراتهم، فإن اللاجئين يميلون عموما إلى أن يكونوا متحفزين جدا ويعملوا بجد لإعادة بناء حياتهم. ففي «تشوباني، على سبيل المثال، وهي الشركة مالكة العلامة التجارية الرائدة ل«اليوجرت» اليوناني في أميركا، فإن كل ثلاثة موظفين من أصل عشرة هم لاجئون. غير أن مؤسس«تشوباني» وهو «حمدي أولوكايا»، لا يوظفهم فقط من باب الإحسان وفعل الخير فحسب، ولكن تبين أيضا أن ذلك مربح من الناحية الاقتصادية. وبالمثل، فإن إعلان المدير التنفيذي لشركة«ستارباكس» هاورد شولتز المثير للإعجاب عن اعتزام الشركة توظيف 10 آلاف لاجئ عبر العالم خلال الخمس سنوات المقبلة هو مجدٍ من الناحية الاقتصادية أيضا على الأرجح.

شركات ومشاريع واعدة
وإضافة إلى ذلك، فإن اللاجئين من رواد الأعمال يؤسسون شركات ومشاريع تخلق الثروة، وتوظف السكان المحليين، وتدعم النمو، وتحفز التجارة والاستثمار. وعلى غرار الهجرة نفسها، فإن إنشاء شركة هو مبادرة تنطوي على مجازفة وتحتاج جهدا كبيرا حتى تنمو وتنجح وتزدهر. وبالنسبة للأشخاص الذين يصلون إلى أميركا بدون معارف أو مهنة، فإن تلك طريقة طبيعية للتقدم والنجاح. فقد وجدت دراسة ل«مؤسسة كاوفمان» أن احتمالات إنشاء المهاجرين إلى الولايات المتحدة شركات في 2012 شكّلت تقريبا ضعف احتمالات قيام أشخاص مولودين في أميركا بذلك.

وأخيرا وليس آخر، يستطيع الوافدون الجدد وأبناؤهم المساهمة في الإتيان بأفكار وابتكار تكنولوجيات تجعل الأميركيين كافة أفضل حالاً. ذلك أن الأشخاص الذين يؤخذون من ثقافة ويعرّضون لأخرى يميلون عادة إلى أن يكون أكثر إبداعاً وابتكاراً. وعلاوة على ذلك، فإن المجموعات ذات وجهات النظر والتجارب المتنوعة – مثل تفاعل اللاجئين والأشخاص المولودين في الولايات المتحدة – تميل إلى التفوق في ما يتعلق بحل المشاكل، وهو ما تقوم عليه معظم الوظائف في عصرنا هذا.

معدل توظيف عالٍ
ثم إن لدى اللاجئين بشكل عام معدل توظيف أعلى من الأشخاص المولودين في أميركا. وإذا كانت لدى العراقيين والصوماليين معدلات توظيف أدنى، فإنهم بشكل عام من الوافدين حديثا، ومعدلات التوظيف تميل إلى الارتفاع بحدة مع الوقت. وإضافة إلى ذلك، فإن اللاجئين الذين يعيشون في الولايات المتحدة منذ 20 سنة أو أكثر لديهم متوسط دخل أسرة أعلى من الأشخاص المولودين في أميركا.

كما وجدت دراسة أجرتها «كالينا كورتيس» من «جامعة تكساس إيه آند إم» أنه بين المهاجرين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة بين 1975 و1980، فإن اللاجئين اندمجوا بشكل أسرع من«المهاجرين الاقتصاديين». فبينما كان اللاجئون يكسبون أجوراً أقل ب6 في المئة ويعملون ساعات أقل ب14 في المئة من المهاجرين الاقتصاديين في 1980، فإنهم بحلول 1990 كانوا يتلقون أجوراً أعلى بـ 20 في المئة ويعملون ساعات أكثر بـ 4 في المئة، وذلك لأنهم حسّنوا مستواهم في اللغة والمهارات والتعليم بشكل أسرع خلال تلك الفترة.

وبالطبع فإن الترحيب باللاجئين يكلف مالًا، ولكن ذلك المال يشبه قطرة في محيط. ذلك أنه من أصل الميزانية الفيدرالية التي بلغت 3.3 تريليون دولار في سنة 2015، بلغت الميزانية المخصصة لبرنامج إعادة توطين اللاجئين 609 ملايين دولار فقط. ثم إن هذا المال ينفق عادة على السلع والخدمات المحلية، وهو ما يفيد الشركات ويخلق الوظائف. وعلى غرار توفير التعليم العمومي للأولاد الأميركيين، فإنه يمثل أيضا استثمارا يعود بأرباح على البلاد عندما يبدأ اللاجئون العمل.

بل إن استثمار دولار واحد في مساعدة اللاجئين على الانطلاق يمكن أن يحقق دولارين من المكاسب الاقتصادية تقريبا في غضون خمس سنوات. وهذه هي الخلاصة الرئيسية للدراسة التي أنجزتُها مؤخرا لحساب«أوبن»، وهو مركز بحوث دولي أسستُه ويعنى باللاجئين ومواضيع أخرى تتعلق بالانفتاح، ومؤسسة«تانت فاونديشن»، التي تقدم المساعدة للنازحين قسريا.

كما وجدت دراسة أخرى لمدينة كليفلاند أنه إذا كانت 4.8 مليون دولار قد أُنفقت على الخدمات المقدمة للاجئين في 2012، فإن إنفاق اللاجئين، والشركات المملوكة من قبل اللاجئين، والمنظمات التي تقدم خدمات للاجئين دعمت الاقتصاد المحلي ب48 مليون دولار، حيث خلقت 650 وظيفة ووفّرت 2.7 مليون دولار من عائدات الضرائب للحكومتين المحلية والولائية.

وخلاصة القول إن الولايات المتحدة تم تأسيسها بسواعد لاجئين: فالأشخاص الذين قدموا إلى الولايات المتحدة على متن سفينة «مايفلاور» سنة 1620 كانوا أشخاصاً فارين من القمع والاضطهاد في انجلترا. والأكيد أن الاستثمار في الترحيب باللاجئين والمهاجرين من كل الأديان (ومن دون أديان) ليس صائبا أخلاقياً وينسجم مع التقاليد الإنسانية الطويلة لأميركا فحسب، وإنما أساسي أيضا بالنسبة للنجاح الاقتصادي لكل الأميركيين مستقبلا.

*مؤسس«أوبن»، وهو مركز بحوث يعنى بقضايا الانفتاح، وزميل «المعهد الأوروبي» التابع لمدرسة لندن للعلوم الاقتصادية

فيليب ليجرين

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»