إعداد: عمار عوض

مستعيرة الشعارات الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومستفيدة من زخم انتخابه، وقفت زعيمة اليمين الفرنسي ماريان لوبان في مدينة ليون حيث الغلبة لأنصارها من أقصى اليمين، وأطلقت حملتها الانتخابية التي قالت إنها ستعتمد سياسة «فرنسا أولاً»، وإنها تريد أن تجعل فرنسا بلداً «لا يدين بشيء لأحد»، وصوبت مدفعية لسانها السليط تجاه «المهاجرين واللاجئين» خاصة المسلمين منهم، لتعزف على وتر الخوف من الإرهاب والتطرف، وطرحت شعار «فرنيكست» للخروج من الاتحاد الأوروبي على غرار «البريكست» البريطاني، ما جعلها تتقدم استطلاعات الرأي بعد غرق منافسها الرئيسي مرشح يمين الوسط فرانسوا فيون في فضيحة الوظائف الوهمية لزوجته واثنين من أولاده، وتدهور شعبية الحزب الاشتراكي الحاكم، الأمر الذي أثار قلق الأحزاب التقليدية، ومخاوف بعض شرائح المجتمع التي ترى أن حزب لوبان يحمل أفكارا «عنصرية»، لتنعقد الآمال على مرشح الوسط إيمانويل ماكرون الذي بات المرشح القوي لإبعاد زعيمة الجبهة الوطنية من الطريق المؤدي إلى قصر الإليزيه.

كان نجم ماريان المولودة عام 1968 في مدينة نويي الفرنسية بدأ في الصعود بعد إزاحتها والدها جان ماري لوبان زعيم أقصى اليمين السابق من رئاسة حزب الجبهة الوطنية، بعد أن تركت مهنة المحاماة التي درست علومها في باريس، وصارت في سن مبكرة ترافق والدها في تنقلاته وحملاته الانتخابية، بعد أن انخرطت في صفوف الدائرة القانونية للحزب عام 1986. كان أول المناصب التي حازتها مقعد مجلس مقاطعة نوربادكالي، ثم أصبحت في عام 2000 عضواً في المكتب السياسي للحزب، وفي العام نفسه ترأست جمعية «أجيال لوبان» التي أسسها زوج أختها، صمويل ماريشال، من أجل «تحسين» صورة الحزب في الإعلام والمجتمع.

وتميز خط ماريان لوبان داخل حزب الجبهة الوطنية عن مواقف والدها منذ 2003،عندما تحدثت لأول مرة عن «ضرورة إيجاد إسلام فرنسي، لأن إسلام فرنسا له مفهوم إقليمي». وفي عام 2004 انتخبت في البرلمان الأوروبي، وصوتت على 42٪ من القوانين مع أغلبية النواب الفرنسيين. وجمدت لوبان عضويتها في هيئات الحزب عام 2005 بعد تصريح أدلى به والدها يقول فيه إن «الاحتلال الألماني لفرنسا لم يكن بالبشاعة التي يتصورها الناس، على الرغم من الأخطاء التي يستحيل تفاديها في بلد كبير مثل فرنسا».

ومنذ ذلك التاريخ، يقول المؤرخون إنها سعت جاهدة لخلافة والدها، والترويج لرؤيتها الجديدة داخل الحزب وفي وسائل الإعلام. وبعد إعلان والدها التنحي عن قيادة الحزب عام 2010، أصبح الباب مفتوحا أمام ماريان لتزعم الجبهة الوطنية، وهو ما حصل عام 2011. وكانت لوبان سبق لها الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2012، وحصلت على 17.9%من الأصوات وهي أعلى نسبة حققها حزب الجبهة الوطنية في الانتخابات الرئاسية، إذ كانت أحسن نتيجة حققها والدها هي 16.86 % من الأصوات، في انتخابات الرئاسة عام 2002.

 

إطاحة الوالد

لوبان التي تصنف من المعادين للإسلام من حيث هو دين، تعد حال وصولها للحكم بتجميد بناء المساجد ومنع الحجاب وليس النقاب أو البرقع فحسب، ومنع ذبح الحيوانات وفق الشريعة الإسلامية، وبيع اللحم أو تقديمه في المطاعم على أنه «حلال». كان الإسلام محورياً في صراع ماريان مع والدها لإزاحته من رئاسة الحزب عندما أعلن والدها مؤسس الحزب ورئيسه الشرفي، أنه قرر اعتناق الإسلام نكاية في ابنته رئيسة الحزب. ورداً على قرارها تجميد عضويته في الحزب على خلفية تصريحات وصفت ب «العنصرية واللاسامية» أدلى بها وسببت لها حرجاً، قال والدها يومها: «أشعر بالعار والخجل كون رئيسة حزب الجبهة الوطنية تحمل الاسم نفسه الذي أحمله وأتمنى أن تغيره بسرعة». وقال: «نكاية في ماريان قررت اعتناق الإسلام، لقد بدأت محادثات مع مسجد باريس الكبير من أجل تنظيم مراسيم اعتناقي الإسلام، وبديانتي الجديدة كمسلم سترونني قريباً في المسجد لتأدية الصلاة، سأطلق لحية بيضاء طويلة».

وأضاف أن ابنته يمكنها تغيير اسمها عبر زواجها بشريك حياتها أو مع فلوريان فيليبو نائب رئيس الحزب أو مع أي شخص آخر. وشدد بالقول: «أنا لا أريد أن تحمل رئيسة الجبهة الوطنية اسم عائلة لوبان».

تذمرت ماريان من تصريحات والدها المثيرة للجدل في وسائل الإعلام، خاصة تلك المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، فدعت إلى تصويت أعضاء الحزب بالمراسلة من أجل تغيير القوانين في الحزب، وإلغاء منصب الرئيس الشرفي الذي كان يشغله والدها الذي اعتبر أن ابنته دبرت مؤامرة ضده، ولجأ إلى القضاء، فألغت المحكمة قرار تغيير قوانين الحزب والانتخابات. ولكن المكتب التنفيذي أعلن فصل جان ماري لوبان من الحزب نهائياً يوم 20 أغسطس/ آب 2015 لتخلو لابنته زعامة الجبهة الوطنية.

كانت لوبان (المطلقة مرتين والمرتبطة حالياً بالمحامي لوي آليو أمين عام الحزب السابق)، استثمرت خروج والدها ورئاستها للحزب في تحقيق نتائج متميزة في الانتخابات الأوروبية عام 2014 لتحصد قائمتها 33.66% من الأصوات، ما قادها لتشكيل كتلة برلمانية في البرلمان الأوروبي عام 2015 باسم«أوروبا الأمم والحريات»، وانضمت إليها أحزاب رابطة الشمال الإيطالية وحزب الحرية النمساوي، وحزب الحرية الهولندي وفلامز بيلانغ البلجيكي، والنائبة جانيس أتكينسون المبعدة من حزب الاستقلال(يوكيب) البريطاني.

وفي العام 2016 الماضي واصلت صعودها واكتسحت انتخابات المقاطعات في الجولة الأولى، وفازت في ست مناطق من اصل 13 في الدورة الأولى من انتخابات المناطق الفرنسية، جامعة نسبة أصوات قياسية 30,8%، ممثلة في تصويت 6.6 مليون ناخب، ما قاد لأن يتوحد حزب الرئيس هولاند الاشتراكي مع أحزاب يمين الوسط، في الدورة الثانية التي عقدت منتصف العام الماضي، حيث ألحقوا الهزيمة بحزب لوبان، الذي خرج خالي الوفاض، لكن النتيجة التي حصدها الحزب والتي تعتبر قياسية وغير مسبوقة، تؤهل الحزب ليكون منافسا حقيقيا في انتخابات الرئاسة الفرنسية التي ستجرى شهر أبريل/نيسان ومايو/أيار القادمين.

دغدغة المشاعر

قبل موعد الانتخابات بشهر ونصف الشهر تجد ماريان لوبان نفسها في موقع جيد، عندما أطلقت حملتها الانتخابية في مهرجان بمدينة ليون كرسته لمهاجمة الهجرة الكثيفة والعولمة والتطرف الإسلامي وطرحت شعارها الجديد «فرنسا أولاً»، وقالت أمام جمهورها: «لقد فهمتم.. والأحداث الأخيرة قدمت الدليل القاطع ضد يمين المال ويسار المال، وأنا مرشحة فرنسا الشعب». وترفض لوبان أن يصنف حزب الجبهة الوطنية بأنه اليمين المتطرف، وتعرف حزبها بأنه «اليمين الوطني»، وتصفه أيضا بأنه حزب «لا يمين ولا يسار». 

وتابعت لوبان خطابها في ليون الذي يكشف ملامح حملتها الانتخابية بالقول «بعد عقود من الأخطاء والجبن والتسيب وصلنا إلى مفرق طرق.. سنركز على الوضع المحلي وليس العالمي» وسط تصفيق الحاضرين لتضيف بعدها «أنا أدافع عن الجدران التي تحمي مجتمعنا بمواجهة قادتنا الذين اختاروا العولمة الفوضوية والهجرة الكثيفة». وقالت أيضاً «لا نريد أن نعيش تحت نير الأصولية الإسلامية»، مضيفة «أن فرنسا هي فعل حب ولهذا الحب اسم: الوطنية. يحق لكم حب بلادكم ويحق لكم الافتخار بذلك، حان الوقت لتحريك المشاعر الوطنية». ورد أنصارها بهتافات «نحن هنا في بلادنا، نحن هنا في بلادنا».

ولكن ليس بعيداً من موقع خطابها في ليون كان يقف مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلنشون في الجانب الشرقي، لتأكيد عدائه للوبان، ودعا ميلنشون مرشح «فرنسا العاصية» إلى الخروج من المعاهدات الأوروبية قائلاً «أوروبا إما أن نغيرها وإما أن نغادرها» كما ندد ب«عالم فاحش يملك فيه ثمانية من أصحاب المليارات نصف ما تملكه البشرية جمعاء». رغم عداء ميلنشون لزعيمة الجبهة الوطنية، إلا أنه لم يهاجمها في كلمته بل وجه سهامه بشكل أساسي إلى مرشح الوسط إيمانويل ماكرون الذي يسجل تقدماً غير مسبوق في استطلاعات الرأي. وتفيد آخر نتائج الاستطلاعات إلى حصول لوبان على 25% من الأصوات وماكرون (21 إلى 22%) ومرشح اليمين فيون (18% إلى 20%)، وميلنشون (11 إلى 11.5%).

إقصائية حمائية

تراهن لوبان في حملتها الانتخابية على رفض الفرنسيين للأحزاب التقليدية وتعد بالاستجابة للمخاوف المتعلقة بالهجرة والإسلام والأمن، في بلد شهد سلسلة من الاعتداءات غير المسبوقة في 2015 و2016، في الوقت الذي تتهم بالعنصرية وكراهية الأجانب، ولكنها تنفي ذلك، وتقول إنها تناضل ضد الهجرة وليس ضد المهاجرين كأشخاص، وإنها دافعت عنهم أمام المحاكم، عندما كانت محامية.
لكن عند النظر إلى برنامجها الانتخابي نجد أنها تعد إذا وصلت إلى سدة الحكم، بتجميد جميع مشاريع بناء المساجد في فرنسا بغية التحقق من مصادر تمويلها، وتوسيع قانون منع ارتداء الرموز الدينية في المدارس ليشمل الأماكن العامة، كما يستهدف برنامجها الذي كشفت عنه في مقابلة مع صحيفة «لوموند» المهاجرين بشكل كبير حيث تدعو إلى ترحيل الذين لا يقيمون في فرنسا بصفة قانونية، فورا، وإمهال الأجانب الذين لا يجدون عملا ثلاثة أشهر لإيجاد وظيفة أو الرحيل، إن كانوا مقيمين بطريقة شرعية، وإنهاء التعليم المجاني الذي يستفيد منه أبناء الأجانب، وتطالب الآباء بالمساهمة المادية في تعليم أبنائهم. وفي حديثها للصحيفة، قالت لوبان «إن المهاجرين المقيمين بصفة غير قانونية عليهم العودة إلى بلدانهم»، وعلى الذين سيبقون على التراب الفرنسي من المهاجرين المقيمين بصفة قانونية، «الاستجابة لشروط معينة حتى لا يشكلون أي عبء على مالية الدولة».

وتطرح لوبان فكرة الأولوية الوطنية والتي مضمونها أن يكون لمن يحملون الجنسية الفرنسية الأولوية على غيرهم في السكن والمساعدات الاجتماعية والعمل (إذا كانت الكفاءة متساوية). وهي الفكرة التي كثيرا ما نادى بها اليمين المتطرف في كل المحطات السياسية، وتهدف إلى إعطاء الأسبقية للفرنسيين في التوظيف، ووضع المهاجرين المقيمين في البلاد بصفة قانونية في المقام الثاني.
من المعروف أن قانون العمل الفرنسي يؤطر بشكل مضبوط عملية توظيف المهاجرين، ولا يمكن لأي شركة توظيف مهاجر إن لم يكن يملك رخصة تسمح له بالعمل. وبفرض القانون على الشركات ضريبة معينة عند توظيفها مهاجرا يحصل على عمل لأول مرة، ويفرض عليها تأديتها في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.

في الجانب الاقتصادي تدعو لوبان لانغلاق فرنسا على ذاتها، أو ما يسمى ب«الحمائية الاقتصادية» حيث تعترض على سياسة التبادل الحر في الاقتصاد، وترى أنها تفرض على فرنسا تنافسا مجحفا مع الدول النامية، ولذلك تقترح نوعا من الحماية المعقولة للاقتصاد الوطني، لا تصل إلى الانغلاق تماما وتدعو إلى خروج تدريجي من منطقة اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي.

«ماكرون» عقبة

استفادت لوبان كثيراً من الفضائح التي تحيط بمنافسها الرئيسي فيون في فضيحة الوظائف الوهمية لزوجته واثنين من أولاده، لكنها أيضاً طالتها سهام الفضائح والفساد عندما اتهمت بتدبير وظائف وهمية، تتعلق بمساعدة لها تقاضت راتباً من أموال أوروبية، وهي أيضاً تنفي حصول أي تجاوزات وتندد ب«معركة سياسية» يخوضها البرلمان الأوروبي ضد حزبها.

مع ذلك كله تظهر استطلاعات الرأي أن لوبان ستحصل على ما يكفي من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية المرتقبة في 23 أبريل/ نيسان تخولها خوض الدورة الثانية. لكن الاستطلاعات تشير إلى هزيمتها أمام مرشح الوسط ماكرون المستفيد الرئيسي من أزمة فيون، حيث سجل ارتفاعا ملحوظا في استطلاعات الرأي.

وكان ماكرون (39 عاماً)، الوزير السابق في الحكومة الاشتراكية، دعا خلال تجمع انتخابي السبت الماضي في ليون إلى التصدي لليمين المتطرف، واصفا نفسه بأنه حامل لواء التقدمية في بلد بحاجة إلى العودة لشعاره الوطني «حرية، مساواة، إخاء». وبعد المرشحين الثلاثة الرئيسيين، يأتي مرشح اليسار المشرذم، الاشتراكي بونوا أمون، ومرشح اليسار الراديكالي ميلنشون.