عبدالله بن بجاد العتيبي

 ثماني سنواتٍ عجافٍ تجاوزتها الدول العربية وتجاوزها العالم بصعوبة، وهي سنوات حكم الرئيس السابق للولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما، واليوم تتجدد الأخبار بتجدد السياسات وبالتغيير الكبير الذي حدث في الداخل الأميركي بانتخاب الرئيس دونالد ترمب.


أي متابعٍ يمكنه بسهولة اكتشاف أن أميركا عادت لنفسها في سياساتها الخارجية، وفي رعاية مصالحها، وفي التعامل مع حلفائها، وفي محاربة الإرهاب، ليس بالقول فقط، بل بالفعل كذلك، وأن العالم متجه للتغيير واستعادة توازنات أثر فقدانها كثيرًا في العلاقات الدولية والأزمات الإقليمية في أكثر من مكانٍ حول العالم.
تصريحات كافة مسؤولي الإدارة الجديدة، إدارة الرئيس ترمب، من أكبرهم لأصغرهم تتجه لإدانة مباشرة وصريحة للأدوار التخريبية التي قادتها إيران في المنطقة عبر ثلاثة عقودٍ ونيفٍ، وتزايدت شراستها في السنوات الثماني الماضية، وهو ما يعني عودة العالم الحالم لعقله وللواقع، بمعنى أن انتهاكات إيران الخطيرة لسيادة الدول وللتوسع وبسط النفوذ كانت معروفة وظاهرة لكل العالم بما في ذلك المؤسسات الأميركية العريقة والعميقة، ولكن شخصًا واحدًا كان يقف دون اتخاذ أي إجراء تجاهها، وكان يطمح بشدة للاكتفاء بالاتفاق النووي دون أي فهمٍ أو تعاملٍ مع تبعاتٍ أخرى، وهو الرئيس السابق، فخطر إيران لا يكمن أبدا في المسألة النووية فحسب، بل في التدخلات المسلحة في شؤون الدول ذات السيادة، وانتهاك سيادة العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتدخلات الجاسوسية والإرهابية في شؤون بعض دول الخليج العربي، ورعاية الطائفية واستخدامها الواسع كسلاحٍ سياسي ينتمي لأحط عناصر الهوية بهدف نشر القتل والتدمير.
الرصد والمقارنة طريقة مهمة لقراءة الفروق، ويمكن لأي متابعٍ أن يكتشف بسهولة أن تصريحات الإدارة الحالية في أميركا تتوافق مع تصريحات قيادات دول الاعتدال العربي التي تقودها المملكة العربية السعودية، ومواقفها السياسية العقلانية الواقعية تجاه كافة الملفات تكاد تتطابق مع مواقف السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة إن في التصور أو الفهم أو الحلول.
مع الوعي بالخطر الإيراني الإرهابي الطائفي، فثمة عملٌ فعلي على الأرض لحل الأزمة اليمنية وتأييد دول التحالف العربي هناك، وعملٌ فعلي لحل الأزمة السورية، بتوافقات ومواضعاتٍ جديدة، وعملٌ فعلي لحل الأزمة العراقية وتخليص العراق من الفك الإيراني، وكذلك يجري العمل في لبنان وغيره.
السياسة السعودية تتعامل مع كل الملفات بوعي وحكمة، وهذا واضح للعيان، فلم تنقطع زيارات قادة دول آسيا الوسطى للسعودية، وتم التعامل مع التوازنات الإقليمية بكل وعي يجمع بين الحذر والإقدام.
الكفة تتجه لإعادة كبرى لرسم المشهد السياسي في المنطقة والعالم، وهو أمرٌ جيدٌ، ويمكن المساهمة فيه بشكل كبيرٍ، لقد عادت أميركا لتهاجم الإرهاب بشكل فاعلٍ وعمليٍ، تضرب «القاعدة» في اليمن بالتعاون مع الحكومة الشرعية والتحالف العربي، وتضرب «داعش» في سوريا والعراق، ولا تترك المواجهة معه لغيرها كما كانت تفعل الإدارة السابقة، بل تعمل مع حلفائها، فهي تعمل مع السعودية وتركيا، ولا تتخلى عن دعم مصر في مواجهة التطرف والإرهاب.
المشهد الجديد الذي يتخلق في المنطقة، سيعيد الكثير من الحسابات إلى مكانها الطبيعي، وستجد إيران نفسها مضطرة لتناول السم مرة ثالثة ورابعة، فالتحرك الطبيعي ضد تهديدات تنظيم داعش للعالم بدأ فعليًا بتعاونٍ سعودي أميركي تركي، تزامن مع لقاء وزير الدفاع السعودي بنظيره التركي، وانعقاد أول لمجلس التنسيق السعودي التركي، وهو يبنى على «تحالف الدول المسلمة ضد الإرهاب» الذي تقوده السعودية، وستصبح كعكة العراق غصة في حلق إيران، فسيتم ضرب نفوذها التخريبي في العراق بكل قوة، وسيتحرر القرار العراقي من الخضوع الكامل لإرادة النظام الإيراني، وسيكون لدى ساسة العراق المخلصين مجالٌ رحبٌ لاستعادة مكانتهم وتأثيرهم بعيدًا عن التفرد الإيراني الذي لم يخلف للعراق سوى الخراب والدمار والتخلف والإرهاب.
تبحث الإدارة الجديدة تصنيف الحرس الثوري الإيراني تنظيمًا إرهابيًا، وبالتالي سيتم تصنيف كل أجنحته الخارجية جماعاتٍ إرهابية، «حزب الله» اللبناني، وحركة الحوثي، وميليشيات الإرهاب الإيراني المستجلبة من إيران وأفغانستان وباكستان التي تعيث فسادًا في سوريا والعراق، وستعود إيران إلى الداخل وتهتم بشؤونها الداخلية، واقتصادها شبه المنهار، وأجنحتها التي ستصنف إرهابية بشكل دولي ذي تبعاتٍ قانونية.
هجمت زوارق حوثية على فرقاطة سعودية، فماذا كان رد فعل إدارة الرئيس ترمب؟ لقد خرجت التصريحات الأميركية تؤكد أن المستهدف كان البحرية الأميركية، وأن إيران يجب أن تتبين مواضع أقدامها، وجرّبت إيران إطلاق صاروخٍ باليستي جديدٍ، وكان رد الفعل الأميركي بنفس الحسم والقوة، ووجهت التحذيرات للقيادة الإيرانية للتوقف عن العبث، هذه مجرد شواهد صغيرة يمكن من خلالها تبين طبيعة المرحلة القادمة في المنطقة والعالم.
في سوريا لم تعد التدخلات الخارجية العسكرية قصرًا على الميليشيات الإيرانية، فقد أصبح لتركيا حق التدخل العسكري بالتنسيق مع السعودية وأميركا، وقريبًا سيصبح الأسد وحيدًا في المعركة بعدما يتم إجبار إيران على التخلي عنه قسرًا، وسيكون الأسد قريبًا من العدالة الدولية بكل الجرائم التي ارتكبها، وقد مضى عهد أوباما الذي كان يمنحه التغطية الدولية اللازمة ليقتل شعبه ويهجره ويعيد بناء التركيبة الديموغرافية لسوريا وجاء زمن الحساب والمحاسبة، وبدأت بعض المنظمات الدولية تفتح ملفاته السوداء من استخدام الكيماوي إلى المجازر الكبرى التي تعتبر جرائم دولية إلى سجونه المليئة بالانتهاكات، ومن آخرها جرائم سجن صيدنايا.
على المستوى الدولي هناك الكثير من الشحناء بين أميركا والصين، ولكن فيما يبدو فإن الرئيس ترمب مستعدٌ لفتح حوارٍ مع الصين، وفتح حوارٍ آخر مع روسيا، بمعنى أن ثمة توجهاتٍ لاستعادة منطق الدولة بعيدًا عن الشعارات الانتخابية، وهو مؤشرٌ جيدٌ يمكن البناء عليه، وإيجاد أدوارٍ مفيدة للتعامل معه.
ليس في السياسة شياطين أو ملائكة، بل سياسيون وجال دولة يفتشون عن المصالح ويسعون جهدهم لتحقيقها.
أخيرًا، كتب بريجنسكي مرة قائلاً: «إن السيناريو الأكثر خطورة يتمثل في قيام تحالفٍ أكبر بين الصين وروسيا، وربما إيران أيضًا، وهو تحالف مضاد للهيمنة الأميركية لا توحده الآيديولوجيا بل التذمر المشترك».