عبدالله بن بخيت

تحدثنا كثيرا عن مصير الصحافة. هذا المصير الذي نتحدث عنه يدور حول الموارد المالية. كل واحد منا يقول نفس الكلام. نهاية الورق، تبعثر مصادر الإعلان ودخول منافس قوي.

لم أسمع أن أحدا ناقش البضاعة التي تبيعها الصحافة على الناس. ما هي الصحافة؟ قد يبدو السؤال طويلا. بدون الدخول في كلام أكاديمي علينا أن نعرف أن الصحافة بتعريفها القديم تختفي. إذا نظرنا إلى الموارد سننظر إلى المصاريف. إذا انتقلت الصحف من الورقية إلى النت ستزيح عن كاهلها مصاريف كبيرة. الورق والمطابع والمباني والفواتير وتسعين في المئة مما ينجزه الإنسان سوف ينجز إلكترونيا. هذا يدفعنا للحديث عن الإنسان وعن المادة التي سينتجها هذا الإنسان ليشتريها مستهلك الصحافة.

في جريدتنا هذه صفحة اسمها محطات. تنشر أخبارا خفيفة وطرائف من أنحاء العالم. كانت من الصفحات المقروءة. من سيقرؤها اليوم. لا أحد. عند صدور قرارات مهمة ينتظر الناس صباح اليوم التالي ليقرؤوا تفاصيلها، من سينتظر اليوم وهي بين أيديهم في الوسائط الجديدة؟ وهكذا كثير من مقومات الصحف سائرة في طريق موتها. قوة الصحافة اليوم ستبقى في الرأي. مع الأسف ثمة منتج رأي يتنامى بسرعة في الوسائط الجديدة ينافس الرأي المنتج في الصحف وقد يطيح به.

الرأي في الصحف يتعرض اليوم لهزة كبيرة. المقال الذي تعتذر الجريدة عن نشره يستطيع كاتبه نشره في مكان آخر منافس للجريدة وسيصل لكل القراء الذين كانوا سيقرؤونه في الجريدة.

ما الذي يعنيه هذا؟ ببساطة تتنازل الجريدة عن واحد من مصادر قوتها مجانا. لا يمكن أن يكتب الكاتب مقالا محدود الحرية في مقابل المقالات والكتابات التي تنشر في أمكنة أخرى بحرية أوسع. التقدم في حرية الرأي في بلد ما لا ينقسم. سقف الحرية في البلد الواحد واحد. لا يكون المنع منعا إلا إذا تحقق منع المقال من الوصول إلى القراء عبر الوسائط الأخرى التي يلجأ إليها الكاتب عند منع مقاله من النشر في جريدته، طالما أنه سيصل إلى القراء الذين كتب لهم رغم المنع فلماذا تمتنع الجريدة عن نشره.

الكاتب مسؤول، أو هكذا يجب أن يكون، الكاتب والمحرر فريق واحد. ما الذي يجعل المحرر في الجريدة أكثر إحساسا بالمسؤولية من الكاتب حتى يقرر ما ينشر وما لا ينشر من عمل الكاتب؟ هذا السؤال يقلقني حتى قبل انبعاث الإعلام الجديد.

لن تسقط الصحف بسبب قلة الموارد ولكن بسبب الجمود. الإصرار على فكر وآليات عمل قديمة في عالم جديد.