علي القاسمي 

 سأدخل من بوابة السؤال الحارق: لماذا بات المطر يشكل حال خوف وقلق في المناطق السعودية؟ يتنازع تفاصيل هذه الحال فريق متذمر يائس من كل شيء، فيما أن الفريق الآخر يجد ساعات المطر فرصة سانحة لتصفية الحسابات وتوزيع التهم، واتهام «س» من الناس بأنه مسؤول مسؤولية تامة عما يحدث، أو أن جهازاً لوحده أيضاً لا يعنيه أمر أن يغرق وطن. أتحدث بوصف مدينتي «أبها المطر» كانت نجمة شباك المتابعة المجتمعية لليومين الفائتين، حيث تصدر المشهد العام نص «العروس أبها.. تغرق»، وأن عاصمة السياحة العربية فقدت نقطة واحدة من نقاط السياحة تحت كمية المياه الغزيرة التي هطلت عليها.

لن تكون المساحة قطعاً كافية للعبور بالفكرة إلى زاوية صريحة دقيقة ومن دون أن أتجاهل على ذات السطر حجم الحزن العميق والوجع المتلاحق الناجم عن تداعيات أمطار غزيرة على منطقة جبلية خجولة، لكنني سأحضر ببضعة إضاءات تفتح آفاقاً للنقاش والأسئلة، وقد تغير من بوصلة الانفعال والغضب. كل ما يحدث في مدننا، وأبها مثلها الطازج، ليس إلا نتيجة قراءة ضيقة للمستقبل واستثمار المتاح بعين لا تطالع إلا إلى منظر صباح الغد وضوضاء الافتتاح، نعمل شيئاً صغيراً صحيحاً، ومعه تمضي كتل من التجاوزات والأخطاء والضمائر المتوزعة بين ميته وجاهله، المساحات ذاتها، التي أشغلت الرأي العام في حضور المطر عاماً فائتاً، هي التي كانت تئن مساء ما قبل أمس، وذاك يعني أن لدينا مشكلة صريحة في تحديد الخلل ونوع العلاج، فقد نكون من الذين يستخدمون مساحيق التجميل لوجه لا تجدي وتنفع معه المساحيق بل تذوب تماماً لمجرد أن تعبر على الوجه مسحة طبية، ننشغل دوماً، وفي ظل هذه الظروف، بالضرب من تحت الحزام وتوزيع الإساءات، ولكننا لا نذهب إلى الأسئلة العميقة التي من عندها ومن بعدها يمكن أن نمد طاولات النقاش الجادة والحلول المنطقية، ونخنق الفساد الذي تحدثنا عنه كثيراً من دون أن يكون لحديثنا من أثر سوى أثر الحبر المسكوب، والتنظير العابر، والتنازع للدفاع عن أن هذا مسؤولية جهة معنية، وذاك مسؤولية جهة أخرى، ولم نتنبه لسر تبدل المسؤوليات بين عشية وضحاها وجدية وضع اليد على الخلل بالضبط حتى يمكن وضع خطة العمل المستقبلية وفق أخطاء صريحة لا تنبؤات وتوقعات بأن بين هذا وذاك ربما تربع الخلل.

التوقعات والتنبؤات وتصفية الحسابات والقناعة بأن الخطأ وليد زمن قصير أو من مساوئ مسؤول حاضر أو غائب فيها كثير من التهور والمجازفة وتشغل قطعاً عن الذهاب الجاد إلى خانة الحلول، وتنظيف الذاكرة من بقايا الجراح والأحزان، وتسهم أيضاً في السماح بإضافة بقعة سوداء إلى رصيد المآسي. نصرخ في الكوارث والمخاطر المحلية متهمين ومطالبين وساخرين، ونحن نعرف في قرارة النفس أن أخطاءنا من صنعنا كمجتمع متداخل مشارك في ساعات وضع اليد واستخدام النفوذ، ونقف كشركاء ظاهرين أو مستترين، ولكم أن تتخيلوا أن أحدهم كان بالأمس يوزع التهم يمنة ويسرة ويمارس التخوين والتخويف وهو الذي من استخدم نفوذه وأجَّر مصالحه الشخصية البحتة لأجل أن يفوز بمشروع صغير عابر هو نموذج لأشقاء كبار يعانون العرج، بالمختصر نعاني أزمة مع المواطنة الصادقة، وتغليباً للمصالح على حساب أي شيء آخر، وعليها ومنها تنضج مآسينا وتتعمق جراحنا!