فهمي هويدي 

مسلسل العجائب مستمرفيأمريكا. ذلك أن القاضى الفيدرالي في سياتل جيمس روبارت الذي أمر بتجميد مرسوم الرئيس اأمريكي بحظر دخول مواطني ٧ دول رفض طلب الرئاسة تأخير دراسة جوهر القضية. كما أن محكمة استئناف فيدرالية في سان فرانسيسكو رفضت طعن الرئاسة في قرار القاضي، الذي جاء بعدما طعنت ولاية واشنطن في قانونيته. وقد أعرب المدعى العام في واشنطن عن سروره لرد القاضى روبارت طلب الرئاسة،في الوقت ذاته فإن القاضية الاتحادية في ولاية فرجينيا أصدرت بدورها قرارا مؤقتا بتجميد تنفيذ حظر السفر استجابة لطلب من الولاية.

الفقرة السابقة تصور جانبا من المشهد الأمريكي الراهن، الذي انتفض فيه القضاء لوضع حد لما اعتبره تجاوزا رئاسيا لحدود السلطة التنفيذية، إذ اعتبر القضاء أن المرسوم الذي أصدره الرئيس موجه ضد بلاد أغلبها من المسلمين، وهو ما يضمر معيارا دينيا لحق الهجرة. وهو ما يتعارض مع الدستور الأمريكي ومنظومة القيم السائدة في المجتمع.

هذا المشهد يفاجئنا من حيث إنه يتعارض مع أعرافنا و«ثوابتنا». وهى التي تعتبر أن كلام الرئيس لا يرد، وأن الاعتراض عليه إساءة إلى الدولة في قول، وسعى إلى إسقاطها في قول راجح ومشهور. ثم إنه يضع حدودا لدور الرئاسة، ويفصل بينها وبين القضاء الذي توافر له الاستقلال الذي يسمح له بأن يوقف الرئيس عند حده، ويمنع تنفيذ قراراته. ناهيك عن أنه يعتبر «توجيهاته» يؤخذ منها ويرد، وقد تصبح منعدمة القيمة والأثر. وإذا كان القضاء يتكئ في ذلك على الدستور والقانون ولا يرى للرئيس حصانة أو قداسة، فإن محاكمة الرأى العام للرئيس الأمريكي مستمرة ليل نهار، عبر وسائل الإعلام والبرامج التليفزيونية الحوارية والفكاهية. إذ لم تترك له تصرفا أرعن إلا وفضحته، ولا زلة لسان إلا وحولته إلى أضحوكة تندر بها كل من هب ودب.

أمثالنا يستغربون الفصل بين الدولة والنظام والرئيس. لأن خبراتنا علمتنا أن الثلاثة مختزلون في واحد. فالنظام هو الدولة رغم أنه أحد أركانها وجزء منها، من ثم فإن معارضته هي مناهضة للدولة ودعوة إلى إسقاطها، ولأن النظام صار هو الرئيس فقد أصبح الرئيس هو الدولة. وفى نموذج موقف القضاء الأمريكي نجد الأمر مختلفا تماما. فقد عارض القضاء الرئيس بدعوى الحفاظ على دستور الدولة والحفاظ على منظومة القيم التي أرساها النظام عبر تاريخه، ومن هذه الزاوية قام القضاء بدور الحارس للديمقراطية وللحقوق المدنية.

شتان بين هذا الذي نقرؤه عن التجاذب الحاصل في الولايات المتحدة، وبين الذى نعيشه في بلادنا وفى مصر هذه الأيام. إذ حين أبدى الرئيس رأيا عرضيافي حديث له انتقد فيه الطلاق الشفوي، ثم رأت هيئة كبار العلماء رأيا مغايرا استندت فيه إلى المراجع الفقهية، فإن البعض اعتبروا موقف العلماء الذين هم أدرى بالموضوع تمردا ومروقا، وخصصت بعض الصحف صفحات لتحرير «المواجهة» بين الأزهر و«الدولة». ووصف اختلاف الرأي مع الرئيس بأنه «معركة»، أججها نفر من الصائدين الذين همزوافي قناة الأزهر، واتهموه بـ«الأخونة» التي صارت مقابلا للخيانة العظمى.

حين يقارن المرء بين النموذجين فإن السؤال الأول الذي يخطر له هو: كم سنة ضوئية نحتاجها لكي تصبح معارضة الرئيس دفاعا عن الدولة وليست مؤامرة لإسقاطها؟