سليم نصار

في خطوة سياسية غير متوقّعة، انتخب نواب الصومال في مقديشو رئيس جمهورية خلفاً للرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود.

ومع أن «حركة الشباب» المتمرّدة هدّدت بشن هجمات لعرقلة العملية الانتخابية، إلا أن التنفيذ جاء على يد تنظيم «داعش» الذي أعلن مسؤوليته عن بعض المتفجّرات التي أقلقت العاصمة.

والرئيس الصومالي الجديد محمد عبدالله فارماجو، يعتبره النواب نسخة عصرية يمكن أن تنجح في إخراج البلاد من الهوة التي سقطت فيها عقب طرد الرئيس سياد بري عام 1991. ذلك أنه خبر مختلف المراحل التي يحتاجها الحاكم في منطقة تسيطر عليها الميليشيات المسلحة. 

ففي بداية حياته الديبلوماسية- أي عام 1985- تولى مهمة سكرتير أول في سفارة الصومال في واشنطن. وكان في الوقت ذاته قد انضم إلى جامعة «بافالو»، حيث تخرّج بدرجة ماجستير في العلاقات الدولية والعلوم السياسية. ولما انهارت الحكومة المركزية مطلع التسعينات، طلب اللجوء السياسي في الولايات المتحدة. وقد حصل على الجنسية التي فتحت أمامه فرص العمل في ميادين مختلفة في نيويورك.

عام 2010 ابتسم له الحظ، عندما اختير ليشغل منصب رئيس الوزراء عقب خلاف نشب بين رئيس الجمهورية وعمر شارماركي، رئيس الوزراء السابق. وخلال عمله السياسي أسّس فارماجو حزباً أطلق عليه اسم «العدالة والمساواة»، نجح خلال مدة قصيرة في استقطاب عدد كبير من الشبان والشابات.

كتبت الصحف الأميركية ترحّب بانتخاب الرئيس الصومالي الجديد الذي درس وعمل في الولايات المتحدة. وهي ترى أن هذه الخلفية قد تساعده على إزالة العداء المستحكم بين الدولتين، منذ حادثة مقتل الجندي الأميركي عام 1991. علماً أن «حركة الشباب» التي تدعمها إيران ترفض استئناف الحوار مع واشنطن. خصوصاً أن القيادة المركزية في الحركة تتلقى أوامرها من «القاعدة» التي تسعى إلى إسقاط مؤسسات الدولة والاستيلاء على الحكم.

ولا تقتصر الاعتداءات التي تنفذها «حركة الشباب» ضد الحكومة على الصومال فقط، بل هي تقوم بعمليات إرهابية ضد كينيا ومختلف الدول التابعة لقوات حفظ السلام في الاتحاد الأفريقي. أي القوات التي منعت بقوة السلاح، استيلاء «القاعدة» على مقديشو وطرد الوزراء من مؤسسات الدولة.

وحقيقة الأمر أن بلاد الصومال لم تعرف يوماً من الراحة والاستقرار منذ خلع الحاكم القوي محمد سياد بري. والثابت أن تلك الخطوة التي تمت بدعم أميركي وروسي، فتحت «صندوق باندورا» في أهم موقع استراتيجي، ليخرج منه أشرس قراصنة البحر في هذا العصر. وبسبب أعمال التهديد التي ارتكبها شباب الصومال، اضطرت الدول الكبرى إلى إنشاء كونسورسيوم عالمي تتولى بوارجه الحربية حراسة الممرات المائية والمضائق الاستراتيجية.

في مثل هذا الشهر من عام 2012، دعا رئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون إلى عقد مؤتمر كان الغرض منه استثمار إنتاج حقول النفط والغاز المكتشفة في هذا البلد الأفريقي الممزّق. تماماً مثلما كلفت من قبلها الولايات المتحدة الاستثمار بواسطة شركات عملاقة بينها كونوكو وشيفرون. والشركتان حصلتا على حقوق الحفر في موقع رأى فيه الرئيس جورج دبليو بوش مكاناً مثالياً كونه يبعد كثيراً عن منطقة مضيق هرموز. أي المضيق الذي يخضع لمراقبة إيران وبوارجها.

يقدّر البنك الدولي، وفق الدراسات التي قامت بها شركة «هانت أويل كوربوريشن» أن الاحتياطي من النفط والغاز يمكن أن يجعل من الصومال بلداً ثرياً قادراً على مجابهة التحديات الاقتصادية المتزايدة. وبما أن «حركة الشباب» تتنامى وتزدهر في هذا البلد الفقير، فإن آبار النفط والغاز يمكن أن تلغي الأسباب التي ساعدت «القاعدة» على الانتشار.

على كل حال، قامت الشركات العالمية بإغراق الصومال بالحفارات التابعة لشركة «هورن باتروليوم كوربوريشن» الكندية، وشركة «الصين العملاقة»، وشركة «ب.ب.» البريطانية.

ومع أن النفط لم يُكتشف في جيبوتي أو إريتريا بعد، إلا أن أهمية هذين البلدين تزداد يوماً بعد يوم بسبب أهمية الصومال ودول القرن الأفريقي.

والثابت أن دول الخليج العربي قامت قبل عامين بعملية تطويق واسعة شملت الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان. وكان الهدف من وراء هذا الطوق الأمني منع السفن الإيرانية من نقل الأسلحة إلى اليمن، ومن بعدها إلى أماكن أخرى بعيدة مثل سورية ولبنان.

وعلى رغم الحذر الذي تتخذه إيران، فإن المدمّرة الأميركية «يو أس أس فاراغوت» صادرت حمولة سفينة «جيهان- 1» قرب ساحل اليمن، ومنعتها من العمل على هذا الخط البحري. كذلك نجحت السفينة الحربية «أم أي أس. داروين» المملوكة من الحكومة الأسترالية، في مصادرة أسلحة إيرانية منقولة على زورق شراعي. 

وبسبب تكرار عمليات تهريب الأسلحة عبر منطقة القرن الأفريقي، بغرض مواصلة حرب اليمن، قامت إحدى دول الخليج العربي باستئجار قاعدة عسكرية في ميناء عصب الإريتري لمدة ثلاثين سنة.

وبما أن السلاح المرسل إلى الحوثيين في اليمن يصل عبر سواحل أفريقيا، فقد تعمّدت دول الخليج تطويق الممرّات البحرية من طريق توقيع اتفاقيات مع الصومال وجيبوتي وإريتريا والسودان. وهي اتفاقيات شبه عسكرية تسمح بنقل الأسلحة الثقيلة كالدبابات والمصفّحات. كما تسمح بالتالي استخدام المطارات الحربية والقواعد العسكرية.

ويفاخر أهل الصومال بانتمائهم إلى العروبة، وبأنهم الدولة الوحيدة التي ربحت حرب «أوغادين» ضد تدخُّل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي سابقاً. وقد أخبرني وزير الدفاع في عهد سياد بري محمد سمنتر، أن شجاعة القوات الصومالية أذهلت الدول الأوروبية أيضاً التي راهنت على استثمار أكبر منجم لليورانيوم في أفريقيا، أي منجم «أوغادين».

ويستدلّ من هذه الخلفية السياسية وما استتبعها من أحداث، أن القارة الأفريقية ستكون خلال القرن الواحد والعشرين موقع تجاذب دولي وصراع مفتوح على كل الاحتمالات. ومن المؤكد أن الصين كانت أول دولة سارعت إلى احتضان القارة السوداء، بدليل أنها ساهمت في نهضة بلدانها، وأرسلت مواطنيها للعمل في حقولها ومصانعها، لذلك شكّلت في نظر الأفارقة، قاعدة الانطلاق، كما تحوّلت بيكين إلى مرجعية للزعماء السود ومحجّة يلجأون إليها في أيام الضيق والعسر.

الأربعاء الماضي افتتح وزير خارجية ألمانيا زيغمار غبريال في «بون» أول مؤتمر من نوعه عقد لمدة يومين، من أجل مكافحة الفقر في أفريقيا ودعم المؤسسات الحكومية، واستغلال قدرات عشرين دولة أوروبية. واقتصر الحضور على وزراء الخارجية، إضافة إلى وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيليرسون ووزيري الصين وروسيا.

ومن خارج أوروبا اشترك وزراء خارجية هولندا والنرويج وسنغافورة وإسبانيا وفيتنام. وكان من الطبيعي أن ينضم إلى هذه المجموعة أمين عام الأمم المتحدة الجديد أنطونيو غوتيريش بصفة مراقب.

وفي كلمة الافتتاح ركز الوزير الألماني على أهمية احتواء الأزمات قبل انفجارها، مبيناً أن دول مجموعة العشرين التي تشكل أربعة أخماس الناتج المحلي الإجمالي للعالم، ستحول دون تدفق الأفارقة إلى أوروبا.

وقال الوزير أيضاً إن هذه القمة ليست أكثر من مقدمة لقمة ثانية سوف تُعقد في هامبورغ منتصف تموز (يوليو) المقبل.
ومثل هذا الحراك السياسي المتأخر يدل على أهمية القارة الأفريقية في تشكيل مستقبل العالم الذي أقلقته طروحات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب. وهي طروحات مستهجنة كونها تهيئ الأجواء لإحداث فوضى عارمة، لا يمكن لجمها إلا بحرب مفاجئة في إحدى مناطق النزاع!


* كاتب وصحافي لبناني