طوني فرنسيس

من المبكر التكهن بمسار السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، فيما ترتسم أمامنا معالم واضحة لسياسة المحور المناوىء تقليدياً لأميركا بقيادة روسيا.

حتى اللحظة يدور غزل هادىء بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب (لم تعكره استقالة فلين مستشار الأمن القومي الأميركي)، تغذيه تصريحات أدلى بها ترامب عشية الانتخابات الرئاسية في بلاده، وتعليقات ودية متحفظة من الجانب الروسي. 
لكن هذا الغزل لم يتطور الى علاقة حب، ولم يتراجع الى حالة عداء، في انتظار انخراط الطرفين معاً في البحث عن حلول عملية للمشاكل التي تواجههما.

ما يشغل روسيا كقضية جوهرية مصيرية ليس تمدد حلف الأطلسي شرقاً، فلهذا التمدد حدود وهي قادرة على جعله مادة تحريض داخلية لجمع الرأي العام حول قيادة بوتين. إن ما يشغلها فعليًا هو مسألة أوكرانيا واحتمال العودة إلى إثارة قضية ضم القرم، لكنها مطمئنة الى حد بعيد في هذا الجانب، حيث لم يصدر عن ترامب ما يثير قلقها في هذا الخصوص، لا قبل فوزه ولا بعد تسلمه منصب الرئاسة. 

بل إن ترامب اكتفى رداً على سؤال من «فوكس نيوز» قبل أيام عن نظرته إلى الوضع في أوكرانيا بالقول: «لا نعرف بالضبط ما يجري في أوكرانيا وسنتحرى الدقة». ان الاكتفاء بهذا الموقف يريح بوتين الذي تحدث إليه قبل وقت قليل، ويزعج الرئيس الأوكراني بوروشينكو الذي سبق واشتكى إلى ترامب من «التعديات الروسية» في شرق بلاده.

في المقابل، لا يبدو السلوك الأميركي اللاحق في الشرق الأوسط مطمئناً للروس. وعلى هذه الجبهة بالذات سعت موسكو منذ ما قبل تسلم ترامب سلطاته إلى جمع أسلحتها وقدراتها استعداداً للتفاوض الصعب. وطوال كانون الثاني (يناير) الماضي والثلث الأول من شباط (فبراير) الجاري، استعدت موسكو لملاقاة القادم الجديد إلى البيت الأبيض كما تستعد عروس لملاقاة عريسها. 

جهزت أوراقها وأدوات عملها العسكرية والسياسية لتقول للإدارة الأميركية إنها شريك لا غنى عنه في معالجة أزمات المنطقة التي تعتبرها واشنطن عنصرًا استراتيجياً في حضورها الدولي. وفي السياق تحركت على محاور الأقليم المتشابكة:

1- عملت على فكرة جمع الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في موسكو واستقبلتهما منفردين. واستضافت في الثلث الأول من كانون الثاني قادة الفصائل الفلسطينية بمن فيهم قادة «فتح « و «حماس» لإصدار بيان مشترك بالثوابت الفلسطينية وآفاق التسوية.

2- سعت بالتعاون مع تركيا ولاحقاً إيران إلى هدنة في سورية، أعقبها عقد مفاوضات في آستانة قدمت على أنها تمهيد للعودة إلى مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة الخاصة بالتسوية في هذا البلد. 

وفيما بدت إيران غير مرتاحة إلى التعاون الروسي التركي المستجد، ورفضت حضور ممثلين لأميركا في المحادثات، أصرّت موسكو على رؤيتها وعلى حضور أميركا، وزادت عليه حضور الأردن، إلا أن المشاركة الأميركية لم تتضح شكلاً ومضموناً حتى الآن. لم تستجب إدارة ترامب إلى العروض الروسية، لا في انخراطها الفلسطيني - الإسرائيلي ولا في التحركات في شأن سورية ومحاربة الإرهاب. 

لم تعلق ولم تنخرط. ووجه ترامب سهامه في اتجاه ايران ابتداء من الاتفاق النووي وصولاً الى سياستها في المنطقة. وفهمت موسكو ان فترة الغزل مع ترامب يصعب ان تؤدي الى تفاهم واضح. فانتقلت الى ضخ جرعات اضافية متناقضة تعتقد انها تغري بالتفاوض بقدر ما تحمل تلويحاً بالمواجهة.

تتمثل تلك الجرعات الإضافية، عدا التبني المستميت لنظام الأسد ، بالترحيب الصريح بدور إيران وحزب الله في سورية كما جاء على لسان وزير الخارجية سيرغي لافروف، والدعوة الى اعتبار ايران والحزب جزءاً من التحالف ضد الإرهاب، وهي ذهبت في هذا المنحى فيما كان سفيرها في اسرائيل يعلن ان موسكو لن تسمح بوصول الصواريخ الى حزب الله لمحاربة الدولة العبرية.

أرادت موسكو أن تمسك بأطراف اللعبة الإقليميين في محاولة اخيرة: ايران وتركيا وإسرائيل، إلا أن أبو الهول الأميركي لا يزال في صمته، فكيف سيرد ترامب؟


* صحافي من أسرة «الحياة»