راجح الخوري

جاءت عملية تسليم ولي العهد السعودي وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ميدالية «جورج تينيت»، التي تقدمها وكالة الاستخبارات الأميركية للعمل الاستخباري الأكثر تميًزا، بعد تطور في غاية الأهمية والمعنى، تمثل في الاتصال الذي كان دونالد ترمب قد أجراه مع خادم الحرمين الشريفين يوم الاثنين في 30 يناير (كانون الثاني)، والذي استمر ساعة، وبحث عشر قضايا ذات أهمية دولية، ووصفته «بلومبيرغ» بأنه «حوار مهم استراتيجًيا، تعّمد الرئيس الأميركي الجديد، أن يبدأ به نشاطه الخارجي بالتشاور مع قادة الدول الكبرى ذات التأثير الإقليمي والدولي».

صحيفة «نيويورك بوست» رأت أن الاتصال المطّول عكس عمق الأهمية التي توليها الإدارة الأميركية الجديدة للسعودية، ومن الملاحظ والمهم أن الاتصال جاء مباشرة بعد لقاء ترمب في واشنطن مع رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي كانت بالمناسبة قد زارت السعودية وعقدت قمة مهمة مع الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ثم مع الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بما يوحي كما أشارت «بلومبيرغ» بأن هذه الاتصالات بين ترمب والزعماء الكبار توحي بأن القضايا الكبيرة التي تشغل العالم كانت مدار البحث بينهم.

ما زاد من الحّمى التي أصابت البعض، وخصوًصا الإيرانيين الذين يتوجسون شًرا من الإدارة الأميركية الجديدة، التي تركز على مثالبهم وتدخلاتهم في الإقليم، بعدما عّتمت عليها طويلاً إدارة باراك أوباما السابقة، أن واشنطن لمُتدرج السعودية في سياق قائمة الدول السبع، تلك التي كانت قد حّظرت على مواطنيها الدخول إلى الولايات المتحدة، بل على العكس اتصل ترمب بخادم الحرمين الشريفين وتباحثا في مسائل ذات أهمية إقليمية ودولية، ثم وصل مدير الاستخبارات الأميركية مايكل بومبيو شخصًيا إلى الرياض، بعد عشرة أيام ليسلم ولي العهد الأمير محمد بن نايف، في حضور ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، الميدالية تقديًرا لإسهاماته غير المحدودة في تحقيق الأمن والسلم الدوليين.

مجلة «بوليتيكو» أعطت أهمية كبيرة للاتصال بين ترمب والملك سلمان، والتقت مع صحيفة «الغارديان» البريطانية في الإشارة إلى أن المباحثات تناولت عشر قضايا أساسية ذات أهمية استراتيجية، وفي هذا السياق أعلن البيت الأبيض بعد الاتصال أن الرئيس الأميركي طلب من خادم الحرمين الشريفين دعم مناطق آمنة في سوريا واليمن لتوفير الحماية الضرورية للمدنيين؛ وهو الأمر الذي كان محور بحث معّمق في القمة التي عقدت بداية الأسبوع في الرياض، بين الملك سلمان والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

صحيفة «نيويورك تايمز» أشارت إلى أن المحادثات التي استمرت أكثر من ساعة بين الزعيمين، تؤكد الاهتمام الذي توليه الولايات المتحدة للمملكة العربية السعودية، وأنهما رّكزا في شكل مفّصل على تعزيز العلاقات التاريخية ودعمها بين البلدين، وعرضا في ضوء الشراكة الاستراتيجية التي تجمعهما تطورات الأوضاع، وأن ترمب من خلال تركيزه على أهمية التعاون مع السعودية يريد التأسيس لسياسة تضع حًدا لأزمات المنطقة التي تمد العالم بمعظم احتياجاته النفطية.

وفي السياق نفسه أضافت: «إن الاتفاق التام يمّثل السمة التي طبعت المحادثة المهمة، وأن الزعيمين اتفقا وعلى ضرورة استمرار التشاور بهدف تعزيز التعاون الثنائي بينهما بإزاء قضايا المنطقة، وأن ترمب حرص على كل القضايا التي تطرق إليها النقاش، وأكدا على ضرورة تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والعسكري، عندما تطرق الحديث إلى (رؤية السعودية 2030) على إبداء إعجابه بها واستعداد واشنطن للإسهام في نجاحها»!

التعليقات في الصحف الأميركية أشارت إلى أن المحادثات أكدت الاتفاق على ضرورة أن يقوم الإيرانيون بتنفيذ كل تعهداتهم، التي وردت حرفًيا في الاتفاق النووي، الذي كانت إدارة أوباما قد أقرته، لكن الزعيمين توقفا ملًيا عند ضرورة التصدي الجاد للنشاطات والتدخلات الإيرانية في شؤون الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط؛ وهو ما يهدد السلم والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.

وكالة «بلومبيرغ» اعتبرت أن فحوى المناقشات تعكس رغبة عميقة لدى الإدارة الأميركية في إعادة تصحيح العلاقات التي طالما تمّيزت ببعدها الاستراتيجي، ليس مع المملكة العربية السعودية وحدها، بل مع دول «مجلس التعاون الخليجي» التي جافاها باراك أوباما خلال عهديه، ويشّكل الاتصال الهاتفي الطويل والتفصيلي، الذي أجراه ترمب أيضا مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي، دليلاً على أن الإدارة الأميركية بصدد إجراء حركة تصحيحية، تعيد الدفء التاريخي الذي أحاط دائًما العلاقات بين واشنطن وحلفائها الخليجيين.

إن الطروحات الأميركية الجديدة توحي فعلاً بأن العلاقات مع دول الخليج ستستعيد التعاون السابق، وخصوًصا عندما يؤكد ترمب أن إيران وتدخلاتها هي طرف أساسي في مشكلات المنطقة، مرّكًزا على ما يتصل منها بالإرهاب والحركات الإرهابية الناشطة انطلاًقا من الحاضنة السورية التي ترعاها طهران منذ زمن بعيد، بعدما كانت الإدارة الإميركية السابقة تتعامل مع طهران وكأنها عنصر مساعد في مكافحة الإرهاب، والدليل هو تعامي أوباما عن الدور الإيراني ليس في سوريا وحدها، بل في العواصم والدول العربية التي باتت طهران تعلن جهاًرا أنها تسيطر عليها!

عندما تهافت أوباما على الحديث هاتفًيا مع الرئيس حسن روحاني يوم كان في الأمم المتحدة، عّلق سفير واشنطن السابق والمستقيل في دمشق روبرت فورد قائلاً: «كيف لنا أن نستبدل بحلفاء تاريخيين موثوقين في الخليج خصوًما يناصبوننا العداء صراحة؟»، وليس خافًيا إلى أين وصل أوباما في تعاميه عن التدخلات الإيرانية في دول المنطقة؛ ولهذا يبدو أن ترمب الذي لم يتردد في القول إن إيران هي أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، يعمل لإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح.

نعم إلى نصابها الصحيح، فليس سًرا ولا خافًيا أن المملكة العربية السعودية نجحت في التصدي للإرهاب ومكافحته، إلى درجة أنه حتى أوباما شخصًيا كان قد اعترف لها بذلك علًنا، والآن عندما يحمل مايكل بومبيو ميدالية «جورج تينيت» شخصًيا ليقدمها إلى الأمير محمد بن نايف، المحارب العنيد للتطرف والإرهاب وبرعاية شخصية من خادم الحرمين الشريفين، وبتعاون وثيق من ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان؛ فإن ذلك ليس سوى تقدير مستحق للسعودية التي لمُتفِشل تنفيذ 262 عملية إرهابية في الداخل فحسب، بل أحبطت عمليات إرهابية في 12 دولة حول العالم، وهو ما سبق أن اعترف به صراحة المسؤولون
في واشنطن ولندن ومصر والكويت والإمارات وتركيا والجزائر والأردن والعراق واليمن والبحرين.