محمد نور الدين

عرفت العلاقات التركية الأمريكية توترات متعددة خلال العشرين سنة الأخيرة. وكانت البداية مع قرار البرلمان التركي رفض المشاركة التركية في غزو العراق في العام 2003، رغم أن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت هي التي تقدّمت للبرلمان بمشروع المشاركة.

ومنذ ذلك الوقت بدأ الشرخ في العلاقات بين الطرفين. وكان في البيت الأبيض رئيس جمهوري هو جورج دبليو بوش. وبعد وصول الرئيس الديمقراطي باراك أوباما عام 2008 إلى الرئاسة بدا كما لو أن عهداً جديداً ومميزاً قد بدأ مع تركيا على قاعدة «الشراكة النموذج» التي أطلقها أوباما والذي افتتح زياراته الخارجية بزيارة أنقرة بالذات.

لكن مع بدء الحرب في سوريا عام 2011 كانت الصورة تتغير تدريجياً. أولويات تركيا في سوريا لم تنسجم مع الأولويات الأمريكية.

دعمت تركيا المعارضة السورية حتى النهاية وبكل الوسائل المالية والعسكرية والسياسية واللوجستية، ووضعت هدفاً كبيراً وأساسياً لها، وهو إسقاط النظام السوري ورئيسه بشار الأسد بالذات. بل لم يكن لدى أنقرة في لحظة معينة مانعاً من الإبقاء على النظام لكن مع رحيل الأسد.

في المقابل، فإن الولايات المتحدة كانت تعزف على وتر آخر، لم تسع لإسقاط النظام، كانت تريد أكبر قدر من النزيف السوري والفتنة الداخلية ليس فقط في سوريا بل في كل منطقة الشرق الأوسط، وكانت تخشى من وصول نظام أصولي متطرف بدلاً من النظام الحالي.

ومن ناحية ثانية كانت واشنطن تنسج خيوط التعاون الذي لم يصل بعد إلى درجة التحالف مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعه العسكرية، قوات الحماية الكردية. وقد تجلى ذلك بالدعم المشهور للقوات الكردية في معركة عين العرب/كوباني ضد قوات تنظيم «داعش».

منذ ذلك الوقت وتركيا تعيد حساباتها في العلاقة مع أمريكا وفي الموقف من الوضع في سوريا تحديداً.
ضغطت تركيا في اتجاه تصنيف حزب الاتحاد الديمقراطي - قوات الحماية الكردية كمنظمة إرهابية، وأنه امتداد لحزب العمال الكردستاني في محاولة لإحراج إدارة أوباما.

لكن بدا أن الأمور قد خرجت عن نطاق التسوية، إذ دخل عامل جديد على هذه العلاقات تمثّل في الصراع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والداعية الديني فتح الله غولين المقيم في الولايات المتحدة. وقد بلغ الصراع ذروته مع تنظيم غولين محاولة للانقلاب العسكري على أردوغان. لم تنجح المحاولة واتهمت أنقرة الولايات المتحدة بالتغطية على غولين ودعمه بل تورطها في المحاولة الانقلابية.

انتظرت تركيا انتهاء ولاية أوباما، وعملت مع وصول ترامب إلى ما من شأنه تصحيح العلاقات. مجرد وجود إدارة جديدة جمهورية على أنقاض إدارة ديمقراطية، كان مبعث أمل لتركيا ببدء مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية. ومن أجل جذب ترامب إلى جانبه كان أردوغان الزعيم المسلم الوحيد الذي لم ينتقد قرار ترامب التمييزي، بمنع دخول مواطني سبع دول مسلمة إلى الولايات المتحدة.

اليوم ليس واضحاً بعد موقف إدارة ترامب من الملفات العالقة مع تركيا. ترامب طرح المنطقة الآمنة في سوريا وهو مطلب تركي مزمن، لكن أنقرة ليست مع أي منطقة آمنة، بل تريد أن تعرف ما إذا كانت تعني ترسيخ الوجود الكردي في سوريا أم لا. وهذا حتى الآن ليس واضحاً. 

كذلك تريد أنقرة التأكد مما إذا كان ترامب سيواصل دعم أكراد سوريا أم لا، خصوصاً أن دفعة أولى ثم ثانية من المدرعات الثقيلة سلّمتها أمريكا إلى الأكراد بعد تسلم ترامب لمنصبه، ورغم أن واشنطن تقول إنها مساعدات عسكرية كانت مقررة سابقاً في عهد أوباما.

كذلك فإن تركيا لا تعرف ما الذي سيكون عليه الموقف الأمريكي من تسليم غولين إلى تركيا، لا سيما بعد استقالة مايك فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي والذي كان يؤيد تسليم غولين إلى تركيا.

تحفل وسائل الإعلام التركية الموالية لأردوغان بالاتهامات لواشنطن من أنها تدعم الإرهاب من حزب العمال الكردستاني إلى حماية غولين، وبأن هذا الدعم وصل في الأشهر الأخيرة إلى ذروته. وبناء عليه فإن العلاقات التركية الأمريكية ستبقى في وضعية الترقب والانتظار في انتظار تبلور سياسات ترامب الجديدة، ومدى مواءمتها للسياسات والأهداف التركية.