عبد الرحمن الراشد

 دبَّ شيء من الأمل هذه الأيام، لأن الرئيس الأميركي دونالد ترمب قرر تكليف زوج ابنته جارد كوشنر بإدارة ملف النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، لكنه حتى الآن مثل السراب للعطشى. لا يوجد ماء دون أن تكون له معطيات مختلفة على الأرض؛ أولها التوحد الفلسطيني الذي يحول دون تحويل مشروع السلام إلى كرة يتقاذفها المتنافسون، وعندما يوجد إجماع فلسطيني، فسيوجد موقف عربي يدعمه. وهذا لا يعني أن الاتفاق الفلسطيني والعربي كافٍ للوسطاء لأن يبيعوا حلولاً صارت مستحيلة اليوم، شيء من الواقعية ضرورة للنجاح. والحقيقة أن أي حل يُطرح يعيد إنعاش القضية التي يبدو أنها فقدت وظائفها الدماغية.


دولتان مستقلتان، أم واحدة مختلطة؟ فيدرالية تابعة للأردن، أم دولة كونفدرالية من ثلاث دول؛ إسرائيل وفلسطين الضفة وفلسطين غزة؟ دولة بنظام مركزي واحد أم متعدد المراكز؟ المهم أي حل ينهي مأساة الفلسطينيين الأطول في التاريخ المعاصر.
إسرائيل سعيدة جدًا بالنسيان، والتأجيل، والتنازع بين غزة والضفة، والإغراق في التفاصيل الصغيرة، هكذا يمضي الزمن وتكبر المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي المحتلة. وفي الوقت ذاته يزيد الإحباط عند الإنسان الفلسطيني، وهو يَرَى العالم حوله يحترق بنار الحروب الأهلية حتى أصبحت قضيته في ذيل القضايا.
أي حل هو حل، أما عدم الحل فهو حل لكن لإسرائيل وحدها. وليست العقدة في تل أبيب وحدها، بل أيضًا نتيجة الفشل السياسي المستمر للقيادة الفلسطينية، المنشغلة بنزاعاتها وحروبها الدونكيشوتية. معظم التركيز في مكاتب الرئاسة الفلسطينية اليوم هو على كيف يمكن منع محمد دحلان من الترشح في الانتخابات، وإقصاؤه لو حاول. وكل همّ قيادة السلطة الفلسطينية الثانية في غزة في منع قادة الخارج من منافستها، وكذلك في كيف تقاسم حكومة رام الله الصلاحيات والميزانية دون التنازل عن سلطتها، ودون دخول انتخابات خارج إشرافها. والحقيقة كل الخصوم الثلاثة لا يريدون انتخابات فلسطينية سواء في الضفة أو غزة أو إسرائيل، لا أحد يريد أن يفقد شيئًا.
الفلسطينيون الذين يتنازعون النفوذ والصلاحيات اليوم سيرحلون غدًا ولن يورثوا شعبهم سوى المأساة التي ورثوها عمن سبقهم إليها.
وإسرائيل لا تريد لأحد أن يفعل شيئًا، الوضع الراهن جيد لها؛ تعطيل قيام الدولة، وحرمان السلطة من معظم صلاحياتها، والاستمرار في نهب الأراضي الفلسطينية ومنحها للمستوطنين اليهود، وتحجيم المشاريع التنموية، والاستمرار في سياسة الحجز ونقاط التفتيش، والفصل العنصري... كلها وسائل ضغط وإلغاء حتى تصبح دولة إسرائيل على كل الأراضي المحتلة.
المشروع الإسرائيلي اليوم قديم منذ عام 1967، إنما الذي لا نستطيع أن نفهمه هو عجز السلطة الفلسطينية وشركائها عن الترفع عن التنازع الشخصي، والشعور بالمسؤولية التي تستوجب تقديم مصلحة شعبها. السلطة وشركاؤها وخلافاتهم، ليسوا بالنموذج الجيد، لذا لن يبالي أحد في العالم بمدّ يد العون سياسيًا. لقد ولدت قضايا أعظم منها، وأكثر أولوية، وأشد ضررًا على أمن العالم ومصالحه.
كما أن نكسات المبادرات الفاشلة الماضية صارت عقدة نفسية تمنع طرح مشاريع سياسية جديدة.
وبصيص الأمل الذي أعطاه الرئيس ترمب لا يمكن أن يُعوّل عليه، فالوسيط ليس المشكلة، بل في الأطراف المتنازعة. وأستبعد كثيرًا أن تمطر السماء حلاً في الظروف الرديئة الملبدة بها سماء المنطقة. ليس هناك شُحّ في الأفكار، فالطروحات كثيرة، واحد يتحدث عن عودة الضفة للإدارة الأردنية، وهو ما يرفضه الأردن ويعتبره مشروع فتنة. وحل يختصر الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية ويعتبر غزة ملحقة بمصر، إلا أن القاهرة تشارك الأردن في النفور نفسه، وتفضل حلاً لا يورطها في نزاعات. وهناك من يقترح تطوير الإدارة الفلسطينية فقط، فالوضع الحالي أسس على معاهدة أوسلو قبل ثلاثة وعشرين عامًا، الجديد توسيع صلاحيات السلطة الإدارية، نموذج يقارب إقليم كردستان العراق. وهناك من يرجو إحياء مشروع الرئيس الأميركي الأسبق، بيل كلينتون، بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على معظم الأراضي المحتلة، وبناء ممر آمن يربط الضفة بغزة.
الأفكار كثيرة لكن لا توجد رغبة جادة، وإسرائيل توحي بأنها غير مضطرة للقبول بأي حل، وتعتبر الوضع الحالي مريحًا جدًا لها، وإن كان يمثل قنبلة موقوتة لها. أما دول المنطقة فهي تمر بأوضاع بالغة الخطورة، تجعل كل حكومة ترغب فقط في تأمين سلامتها. هذه هي الظروف التي قلتُ بسببها: على القيادات الفلسطينية أن تضحي قليلاً بخلافاتها، وأن تجرب العمل بإجماع فلسطيني يعطي الثقة بأن هناك ما يمكن الركون إليه.. .