المثنى حجي

لسنا بحاجة إلى خبرة استراتيجية كبيرة لندرك دوافع إيران للحوار مع دول الخليج، فالمتابع يستطيع تمييز أسباب عدة دفعت «الملالي» لاسترضاء الخليج، أولها التراجع الواضح في وضع إيران في سورية، إذ تزايد حضور دور الشراكة الروسية - التركية على حساب الدور الذي كانت تطمح إليه إيران، وكذلك في اليمن بالهزائم المتتالية على الأرض لعصابة الحوثي التابعة لها، وقبل ذلك فشل الانقلاب الطائفي في البحرين والذي كانت تريده إيران أن يكون نقطة انطلاق نحو بقية الخليج العربي عامة والمنطقة الشرقية السعودية خاصة.

السبب الثاني هو تراجع مستمر في الاقتصاد وتوقف آلاف الوحدات الإنتاجية في الداخل الإيراني، وفشل الحكومة الإيرانية في تحقيق التوقعات من رفع العقوبات الدولية بعد الاتفاق النووي، بسبب العقوبات المرتبطة بالنشاط الإرهابي الإيراني في المنطقة، وتمكن هذه العقوبات من تعطيل الانفتاح الإيراني على الاقتصاد العالمي، وتقليص كبير للاستثمارات التي كانت إيران تطمح إليها، وتعتقد أنها ستكون سبب إنعاش اقتصادها المختنق، وهذا الفشل الاقتصادي ترافق مع الاستنزاف الاقتصادي الخطر الذي تعانيه إيران في العراق وسورية، بدعم وتمويل أنظمة وميليشيات تابعة تخوض حرب الاستنزاف التي ورطها فيها الرئيس أوباما بنجاح، لتبديد السيولة المالية التي استعادتها إيران بسبب الاتفاق النووي.

السبب الثالث هو التغير الذي حدث في السياسة الأميركية بانتهاء فترة الرئيس أوباما الذي سمح لإيران بالتوسع في المنطقة لتحقيق ما تسمية (مصالحها الحيوية) بقدوم الرئيس ترمب ذي النزعة «الصدامية» والذي يكره السياسة الإيرانية، واختياره فريق عمل من الراغبين في مواجهة إيران، وكذلك سيطرة الجمهوريين على الكونغرس بمجلسيه وميلهم بشدة إلى فرض سلسلة عقوبات على إيران والتي عطل الرئيس أوباما بعضها، ما ينذر بحصار شديد اقتصادي وسياسي على إيران.

السبب الرابع، هو العزلة المتزايدة لإيران في العالم الإسلامي كما حدث في مؤتمر القمة الإسلامي في إسطنبول الذي دان سياسات إيران وحزب الله الإرهابي في المنطقة، ما دعا الوفد الإيراني إلى الانسحاب من القمة.

السبب الخامس، هو دخول إيران موسم انتخابات رئاسية جديدة قريباً، وزيادة خوف الرئيس روحاني والتيار الإصلاحي من انتهاز المتشددين فرصة خيبات الأمل المتعددة للدفع بمرشح متشدد للسلطة خاصة بعد وفاة الداهية علي أكبر هاشمي رافسنجاني، الذي كان يمثل عنصر توازن كبيراً داخل إيران من ناحية وبين الداخل الإيراني والخارج من ناحية أخرى.

بالتالي الموقف العام لإيران الآن يميل إلى الحذر الشديد والتوقعات بمصاعب كبيرة مقبلة، كما أن تنبؤات وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف تدفعها لتهدئة الأجواء مع الإقليم تمهيداً لتقليل التوتر مع أميركا ورئيسها الجديد الذي لا تنقصه إرادة المواجهة وتقليل خسائرها الاقتصادية والجيوستراتيجية.

في رأيي يجب عدم إغلاق الأبواب للحوار بين مجلس التعاون وإيران عبر بوابة الديبلوماسية الكويتية خلال زيارة الرئيس روحاني الكويت وعُمان، لكن يجب أن نكون واقعيين وواضحين في أهدافنا الاستراتيجية في وقت واحد، وألا نتوهم أن إيران أصبحت دولة حوار وحسن جوار، ويجب عدم السماح لها بتحقيق أهدافها المرحلية الموقتة ثم تعود لنشاطها التخريبي مرة أخرى، بل الوصول إلى حال مستقرة من العلاقة المتوازنة بين ضفتي الخليج، وللوصول إلى هذه الحال لا بد من تحديد المتطلبات الخليجية من إيران، ثمناً لإنهاء العداء وذلك بإلغاء أسبابه، ويجب قبل الدخول في المفاوضات تحديد الإطار العام للتفاوض ورفع سقف التفاوض منذ البداية، خصوصاً أن ما تطالب به دول الخليج العربي هو حقوق بديهية ويجب أن تشمل هذه الطلبات الخليجية:

أولاً، وقف ما تعتبره إيران «مصالح حيوية» لها في دول المشرق العربي بلعب دور «ولي أمر» الشيعة في هذه الدول، وتمكينهم من السيطرة عليها وضرب أو تهميش القوى السياسية السنية لتحقيق التوسع الاستعماري في المنطقة.

ثانياً، حل جميع الميليشيات الطائفية الموالية لها، ووقف تمويل هذه الميليشيات والأحزاب السياسية.

ثالثاً، وقف نشر التشيع المذهبي الصفوي في التجمعات السكانية السنية في آسيا وأفريقيا وغيرها، واستغلال فقر هذه الجماعات لإحداث فتنه مذهبية بهدف تأسيس مواقع نفوذ طائفي، مع احتفاظها بحقها في نشر مذهبها لدى غير المسلمين فقط.

رابعاً، وقف عشرات القنوات الإعلامية التي تديرها إيران وأتباعها في المنطقة والتي تهاجم دول الخليج وخصوصاً السعودية بصفة دائمة، وتحرض على الإرهاب ضدها.

خامساً، وقف أي شتم للصحابة الذي نراه في الإعلام المؤيد لإيران، وعدم الاكتفاء بإصدار فتاوى شفهية بعدم سب الصحابة، مع ضرورة إيقاع عقوبة على المخالفين من أتباعها ووقف تمويل قنوات الإعلام الشيعية التي تمارس الشتائم وكذلك هدم ضريح أبي لؤلؤة المجوسي الموجود في إيران تحت مسمى بابا شجاع الدين.

سادساً، تسليم حكومات دول الخليج أسماء كل أعضاء شبكات التجسس والإرهاب الإيرانية في دول مجلس التعاون، والتي انكشف بعضها في الكويت والبحرين، والتي يقود غالبها حزب الله الإرهابي اللبناني.

سابعاً، وقف استعراضات القوة العسكرية التي تهدف إلى فرض منطق القوة في العلاقات مع الخليج ومحاولة ترويع دول الخليج وفرض دور شرطي المنطقة المرفوض خليجياً.

ثامناً، وقف نهائي لأي محاولات شوشرة وتخريب على مواسم الحج، والتراجع نهائياً عن أي مطالبات بمشاركة إيران في إدارة موسم الحج.

تاسعاً، الموافقة على حل حضاري لأزمة الجزر الإماراتية الثلاث بإحالة القضية إلى محكمة العدل الدولية مع تعهد الدولتين بقبول قرار المحكمة مهما كان.

يجب عدم الانزلاق إلى خدعة تقديم تنازلات لإيران بحجة تشجيع تيار الاعتدال الإيراني ليكسب الانتخابات فهذه التيارات التي تسمى معتدلة أو متشددة كلها أحجار شطرنج يلعب لها المرشد وقراراتها لا تخرج عن الجانب التنفيذي، بل التركيز على المشكلات الحقيقية لانتزاع اتفاقات تضع نهاية للخلاف بشكل دائم بطريقة تحفظ الأمن والسلام بين شاطئي الخليج العربي من ناحية والمشرق العربي عامة من ناحية أخرى.

خلال المفاوضات لا بد من التنسيق بدقة مع الإدارة الأميركية الجديدة لاستطلاع مدى قدرتها على مواجهة العبث الإيراني ومدى رغبتها في ذلك، مع الأخذ في الاعتبار الفرق بين القدرة والرغبة مع دراسة الخطط المشتركة مع أميركا للوصول إلى تصور واقعي لمدى إمكان الاعتماد على السياسة الأميركية قبل اتخاذ مواقف متشددة أو مرنة في محادثات إيران، حتى لا نصاب مره أخرى بخيبات الأمل التي سادت خلال التعامل مع الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما التي قدمت تنازلات إقليمية كبيرة لإيران في مقابل نزع السلاح النووي موقتاً.