حازم صاغية

قبل أيام، زارت بيروت مارين لوبن، زعيمة «الجبهة الوطنية» العنصرية والمرشحة للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في بلدها فرنسا في مايو المقبل. سبق هذه الزيارة، على ما رأى مصدر في حزبها، تحديد هدفها: إنه «توجيه رسالة دعم إلى مسيحيّي الشرق».

لوبن إياها معروفة بموقفين من قضايا العرب والمسلمين: الأول هو العنصرية ورُهاب الإسلام اللذان يستهدفان بصورة أساسية المهاجرين من المغرب العربي، وكذلك الفرنسيين من أصول مغاربية. وفي هذه المسألة، كما في غيرها، تبقى لوبن ابنة أبيها جان ماري لوبن الذي أسس «الجبهة الوطنية» وبنى أساسات العمارة العنصرية في الخطاب المعادي للإسلام والمسلمين في فرنسا.
أما الموقف الآخر لزعيمة «الجبهة الوطنية» فيطال سوريا. فهي دافعت طويلاً عن بشار الأسد، داعيةً الفرنسيين والغربيين عموماً إلى «الحوار معه». لا بل رأت جازمةً، في مقابلة صحفية أجريت معها مطلع الشهر الماضي، أنّ «الأسد سيربح هذه الحرب ضدّ الأصوليّة الإسلاميّة» على ما سيتبين لمن «يستمع إلى السوريين».

في هذا المعنى فزيارتها لبنان لا تعدو كونها استثماراً عنصرياً في أزمات المنطقة وما تعانيه شعوبها وأقلياتها. وهو ما مهّد له الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب بإعلانه موقفاً من الأقليات يغاير موقفه من الأكثريات المسلمة في سبع دول مُنع رعاياها من دخول بلاده.

ولأن لبنان ذو خصوصية ولون مسيحيين في منطقة الشرق الأوسط، اختارته لوبن لزيارتها. لكنْ لسبب آخر تماماً كان قد اختاره أيضاً المرشح الذي سينافسها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وزير الاقتصاد السابق إيمانويل ماكرون. ذاك أن الأخير الذي حضر إلى بيروت في 24 يناير الماضي، دعا إلى ما أسماه «سياسة متوازنة» حيال النزاع في سوريا، من دون أن يتلاعب بمسائل الأقليات والأكثريات في العالم العربي، ومن دون أن يُعرف بأية خلفية عنصرية أو مناهضة للإسلام وللمسلمين، أو محابية لبشّار الأسد ومجازره.

واقع الحال أن الفارق الأكبر بين المرشحين المتنافسين أن لوبن لا تزال تفكر وتتحرك بموجب المنطق الكولونيالي القديم، فيما يتصرف ماكرون محكوماً برؤية لمستقبل تتراجع فيه العداوة والتشنج بين الشعوب والأديان والثقافات لمصلحة أفق إنساني أكثر انسجاماً وتكاملاً.

ولهذا الغرض زار ماكرون أيضاً الجزائر وأدلى بحديث إلى تلفزيونها أثار ضجة واسعة في بلاده. فهو رأى أن الأفعال الفرنسية في ذاك البلد (الذي لم يستقل عن فرنسا إلا في 1962 وبعد حرب شديدة الدموية دامت ثماني سنوات) كانت «جريمة ضد الإنسانية»، كما كانت «بربرية في أساسها، وتشكل جزءاً من ماضينا الذي ينبغي علينا أن نواجهه بالاعتذار عنه». ولم يتردد ماكرون في زيارة «نُصب الشهداء» في الجزائر، على ما في ذلك من رمزية، مؤكداً رغبته في «عقد تسوية بين ذاكرتي البلدين».

وكان لزيارته هذه وما صدر عنها أن أطلقا موجة من الانتقادات الحادة له في فرنسا، تجاوزت منافسيه في الانتخابات المقبلة إلى أصوات لم تألف مواجهة التاريخ الاستعماري والاستيطاني في الجزائر، ناهيك عن الاعتذار عنه.

في الحالات كافة، وحتى لو كان المرشح الشاب يطمح إلى كسب أصوات الفرنسيين من أصول مسلمة، وهذا حق شرعي، فإن نبرته تختلف تمام الاختلاف عن نبرة الزعيمة العنصرية. وسيكون في وسع الجزائريين أن يعززوا هذه النبرة إذا ما أقدموا هم أيضاً على تبني رواية لتاريخهم أقل توتراً، وأكثر توكيداً على الشراكات التي نشأت، في الماضي والحاضر، بينهم وبين الفرنسيين.

ويجوز القول، من غير مبالغة، إن جانباً كبيراً من الانتخابات الفرنسية المقبلة بات يتم خوضه في العالم العربي. ومن هذه الزاوية تُفهم زيارات المرشحين إلى لبنان والجزائر، وربما إلى بلدان أخرى في الأسابيع التي تفصلنا عن موعد المجابهة الكبرى.

* محلل سياسي- لندن