كريس سيليزا

الرئيس الأميركي دونالد ترامب غارق في فوضى تزلزل البيت الأبيض بعد شهر فحسب من توليه المنصب. وتشبث ترامب الأسبوع الماضي بطوق النجاة الأكثر ألفة بالنسبة له وهو وسائل الإعلام. أو بطريقة أكثر مباشرة، استخدم ترامب كل أسلحته الخطابية ضد وسائل الإعلام منتقدا بشدة الصحفيين الذين يغطون أخبار البيت الأبيض ووصفهم بأنهم غير أمناء أساسا وفاسدون و«أعداء الشعب الأميركي». كل هذا بعد أن حاصرت ترامب مزاعم بشأن وجود علاقات بين معاونيه ومسؤولين في الاستخبارات الروسية. واستراتيجية ترامب بسيطة وهي الابتعاد عن نقاش يخسر فيه ويتمثل في أسباب عدم الرد على أسئلة كثيرة بشأن علاقاته بروسيا واللجوء إلى قصة رابحة تتمثل في أن وسائل الإعلام مروعة وتطارده. لكن يجب على وسائل الإعلام ألا تقع في هذا الفخ.

ولا توجد مهنة مهتمة بنفسها مثل الصحافة. ربما لأننا في المهنة نشأنا كأشخاص معتدين بأنفسنا ونريد تركيز الأضواء علينا فحسب. وميلنا إلى التمركز حول الذات تجاوز كل حد. والأسئلة لا تتوقف: ما الذي نفعله؟ وما يجب فعله؟ هل ما نفعله صواب؟ ما يجب أن نغيره؟ وما يجب ألا نغيره؟ وهذه أسئلة جيدة تستحق أن نطرحها. لكنها في الوقت الحالي ليست أكثر الأسئلة إلحاحا التي تواجه البلاد.
فما هي إذن الأسئلة الأكثر إلحاحا؟ إنها أسئلة تتعلق أولا بمن هم رجال حملة ترامب الانتخابية الذين أجروا محادثات عن دراية أو غير دراية مع مسؤولي الاستخبارات الروسية؟ وما طبيعة هذه المحادثات؟ هل أصبح أي من هؤلاء الأشخاص جزءا من إدارة ترامب؟ وثانياً: لماذا انتظر ترامب أسابيع ليقيل مايكل فلين من منصب مستشار الأمن القومي رغم علمه أن فلين لم يخبره الحقيقة بشأن محادثاته مع السفير الروسي في الولايات المتحدة؟ لماذا لم يتم إخبار نائب الرئيس مايك بينس قبل ظهوره في برنامج حارات يوم الأحد الماضي ليدافع عن فلين؟ وثالثا: هل يوافق «الجمهوريون» في الكونجرس على تقديم مليارات الدولارات وهي الكلفة التقديرية لبناء جدار على الحدود مع المكسيك كان ترامب قد وعد بأن الجارة الجنوبية ستسدد كلفته؟

ترامب فعل أشياء كثيرة وتحدث أكثر منذ أداء اليمين الدستورية، لكنه لم يفسر إلا القليل مما فعله وقاله. وعمل وسائل الإعلام حين تواجه كثيرا من عدم اليقين ليس التركيز على نفسها بل العودة إلى الأساسيات أي وطرح الأسئلة وعرض السياق وتقديم المعلومات للجمهور. والتركيز على عملنا الأساسي هو أفضل طريقة للتصدي لمزاعم الرئيس وعدد كبير من أنصاره بأن الصحافة تعتبر عدواً. فنحن الصحفيين لسنا القصة. لأن الموضوع هو الموضوع الصحفي وليس الصحفيين أنفسهم. والقضية ليست ولا يجب أن تكون أبدا «ترامب ضد الإعلام». ويجب ألا تكون ترامب ضد أي شيء بل تتعلق بفحص مقترحاته ومدى تأثيرها على حياة الأميركيين.

ورغم المزاعم التي بلا أساس في الغالب التي يطرحها ترامب عن الأخطاء التي ترتكبها وسائل الإعلام إلا أنه ليس دائما على خطأ. نحن نقع في أخطاء في وسائل الإعلام. وكلما قللنا الشفافية بشأن هذه الأخطاء كلما أعطينا مصداقية للهجمات بأننا نعتقد أننا فوق النقد. ويجب ألا نستعين بمصدرين فقط في التغطية الصحفية بل يجب أن يكونوا ثلاثة مصادر. وفي حالة السبق الصحفي الكبير لواشنطن بوست عن مناقشات فلين مع السفير الروسي في الولايات المتحدة سيرجي كيسلياك عن العقوبات الاقتصادية يجب أن يكون هناك من المصادر تسعة! وحتى حين يقع خطأ غير مقصود، علينا أن نخبر القراء ونقر بالخطأ وسبب الوقوع فيه. وانتخاب ترامب وموقفه العدائي من الإعلام يمثل تحديا أساسيا للصحافة في القرن الحادي والعشرين. وهذا ليس شيئا سيئا. فقد حان الوقت للعودة إلى المبادئ الأولى وهي أن نعرف ما حدث وسبب حدوثه ليس أكثر أو أقل.

كريس سيليزا*

*صحفي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»