ياسر الغسلان

التحدي الأكبر الذي عاشته دول الخليج منذ أن أصبحت كيانات سياسية مستقلة أنها لم تستطع أن تنعتق من النظرة التي يراها بها العالم، فما زال المستعمر السابق مثلا لا يراها إلا باعتبارها دولا لا تملك مقومات البقاء إلا بارتباطها بقدرتها على إنتاج البترول أو اللعب سياسيا حسب متطلبات القوى العظمى في المنطقة، في حين تراها الدول الأقل حظا اقتصاديا وسياسيا على أنها السند المعيشي في حين والسند الدبلوماسي في حين آخر، فدول الخليج وبما تملكه من كروت ضغط تستطيع أن تسير الظروف أحيانا لصالح خدمة تلك الدولة الضعيفة أو تلك الدولة الشقيقة.


منطقة الشرق الأوسط تمر اليوم بطوفان سياسي وعسكري واجتماعي، كما يعلم الجميع، ولكي نفهم منطقة الخليج بالشكل الصحيح، كما يقول Roby C. Barrett في كتابة الموسوعي الجديد «الخليج و الصراع من أجل الهيمنة - The Gulf And The Struggle For Hegemony»، علينا أن ننظر كغرب لهذه المنطقة الحساسة من العالم ضمن سياقها التاريخي قبل اتفاقية سايكس بيكو، وكيف كانت الظروف والشخوص والعائلات السياسية تحكم وتتحالف مع بعضها ومع القوى العظمى، فما يجري اليوم لا يمكن أن يفهم ما لم نضع في عين الاعتبار الأنماط السياسية التي تحكمها وتحيط بها.
يقول الكاتب الأميركي الذي طرح كتابه آنف الذكر مؤخرا في الأسواق، إن دراسته لمنطقة الشرق الأوسط لأكثر من أربعين عاما أوصلته لقناعة أصيلة بأن كثيرا مما يفهمه الغرب لا يشبه إطلاقا الواقع الحقيقي، فكثير من المفاهيم حول المجتمع والدين والسياسة تنطلق من منظورهم الغربي الضيق الأفق، فمنطق العربي والخليجي والشرق أوسطي حيال تلك المفاهيم لا يتقاطع إلا بشكل بسيط مع منطق ومنظور الغربي، ولذلك كان وما زال الصراع المفاهيمي مستمرا.
لفت نظري تشريحه لأنماط الحكم الثلاثة في المنطقة، فالملكي يعد أكثر الأنظمة استقرارا ونموا في المنطقة، إضافة إلى أن ملفاته في حقوق الإنسان تبقى الأفضل بالمقارنة مع باقي الأنماط، في حين تعتبر أنماط الحكم الشمولي المتلبس العلمانية الأكثر انتهاكا لحقوق الإنسان وأقلها استقرارا ونموا وأكثرها تحايلا على الشعب من خلال محاولاتها توريث الحكم لأبناء الرؤساء.
إيران التي تمثل النمط الثالث أطلق عليها Barrett الحكم الإمبريالي، فهي منذ حكم الساسانيين استفحلت فيها نزعة السيطرة على الأقليات العرقية، والتي دائما ما كانت مناطق خيرات وقدرات اقتصادية، إضافة إلى أنها تحكمها صفوات كانت في أحيان إقطاعية وفي أحيان أخرى كما هو الحال اليوم صفوات دينية بلباس سياسي والعكس.