سطام المقرن

من خلال استعراض آليات الرقابة على أداء الجهات الحكومية حسب تصريحات أعضاء مجلس الشورى، والتعديلات المقترحة لتطوير التقارير، تظل رقابة الأداء في المجلس قاصرة وضعيفة

انتقد مجلس الشورى تقرير ديوان المراقبة العامة السنوي للعام المالي 1436/ 1437، حيث لاحظ المجلس ارتفاع معدل ملاحظات الديوان على عدد من الجهات الحكومية، وعدم كفاية الحلول التي يتخذهان بالإضافة إلى أن إجمالي المبالغ المصروفة بدون وجه حق بلغت في السنوات الخمس الماضية أكثر من (96) مليار ريال، واستطاع الديوان تحصيل (8) مليارات فقط، وذلك بنسبة 8.5%!، وهذه الأموال المهدرة تنمو بشكل تصاعدي من عام إلى آخر.
الغريب في هذا الموضوع هو تكرار ملاحظات مجلس الشورى على التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة، فالملاحظات السابقة هي نفسها منذ أكثر من ست سنوات، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن كيفية دراسة المجلس لتقارير الديوان، فهل هناك دراسة فنية ومهنية لهذه التقارير؟
في عام 1430، تناقلت الصحف المحلية نفس الخبر السابق عن مناقشة مجلس الشورى لتقرير ديوان المراقبة العامة عن العام المالي 1426 /1427 من أنه تم صرف مبالغ ضخمة من اعتمادات الأجهزة الحكومية بغير وجه حق وفي غير الأغراض التي خصصت لها، وأن جملة هذه المبالغ تقدر بنحو (109) مليارات ريال متراكمة من سنوات ماضية ولم تسترجع بعد!.
وعلى هذا الأساس أصدر ديوان المراقبة بياناً في ذلك الوقت يوضح فيه أنه «لا يجوز جمع هذه المبالغ ذات الطبيعة المختلفة والقول بأنها مفقودة أو تمثل هدرا في المال العام أو أن هذا الرقم الضخم قد صرف بالكامل دون وجه حق أو سند نظامي»، حيث إن تلك المبالغ تتمثل في حسابات العهد والأمانات وهي مشكلة يعاني منها النظام المحاسبي الحكومي منذ 30 عاماً، بالإضافة إلى وجود «رصيد أقساط القروض المستحقة لصناديق الإقراض الحكومي وكان مقداره (44) مليار ريال في نهاية السنة المالية 1426 / 1427 وهي عبارة عن أقساط تأخر المستفيدون من القروض (من مواطنين أو مؤسسات أو شركات) في سدادها في مواعيد استحقاقها».
وبناءً على ما سبق، فإن مبلغ (96) مليار الذي ناقشه مجلس الشورى في جلسته الأخيرة الأسبوع الفائت لا يختلف عن تفاصيل مبلغ (109) مليارات الذي أوضحه بيان ديوان المراقبة العامة قبل سبع سنوات!.. فما الجديد في ملاحظات مجلس الشورى على التقرير السنوي للديوان هذا العام؟! 
أخشى ما أخشاه في الحقيقة أن تكون دراسة مجلس الشورى للتقارير السنوية للأجهزة الرقابية هي دراسة شكلية وصورية، وهذا ينسحب أيضاً على التقارير السنوية للوزارات والدوائر الحكومية، فكيف يفوت على مجلس الشورى حقيقة المليارات الضخمة التي صرفت دون وجه حق رغم تصريح الديوان عنها في وقت سابق؟
حسب تصريحات بعض أعضاء مجلس الشورى في وسائل الإعلام، فإن الآلية المتبعة للرقابة على أداء الجهات الحكومية تتمثل في التقارير السنوية المرفوعة إلى المجلس، وهذه التقارير تمثل الأساس لرقابة الأداء، ولكن ما يعيب هذه التقارير أنها «لا تعد وفق القواعد المقرة في إعداد التقارير وفقا للتعميم السامي رقم (7/ ب/26345) وتاريخ 19/ 12/ 1422».
وبالتالي فإن المجلس لا يكتفي بهذه التقارير وحسب، بل تقوم اللجنة المختصة بالمجلس، بإجراء دراسة للتقرير المحال إليها لتحديد أوجه الضعف والقصور في أداء الجهة الحكومية من واقع المعلومات والإحصاءات التي يتضمنها التقرير، ومما يتوافر لدى اللجنة من معلومات في وسائل الإعلام المختلفة، ومن شكاوى المواطنين، وما تتضمنه تقارير الجهات الرقابية، كما يتم طلب حضور المسؤولين ومناقشتهم فيما يكشف عنه من أوجه القصور في الأداء كما ونوعا، كما يحق للجنة طلب بعض المعلومات والإحصاءات والوثائق ذات الصلة لاستكمال بعض الجوانب التي لا يغطيها التقرير.
ولا يكتفي المجلس فقط بمناقشة تقارير الأداء السنوي للجهات الحكومية، بل هناك زيارة للجهة متى ما دعت الحاجة للاطلاع على عمل تلك الجهة، كما أن هناك مقترحا يهدف إلى تعديل قواعد إعداد التقارير السنوية للوزارات من خلال إضافة الأهداف الخاصة والعامة للجهاز في التقرير، وإيضاح الرؤية والرسالة والقيم المؤسساتية والأهداف الاستراتيجية كما يشمل التعديل إضافة معلومات أخرى تصف الوضع الراهن للجهة، وبيان المشروعات المتعثرة وأسباب تعثرها، وإضافة بند مستقل خاص بملاحظات ومقترحات الهيئات الرقابية.
ومما سبق، ومن خلال استعراض آليات الرقابة على أداء الجهات الحكومية حسب تصريحات أعضاء مجلس الشورى، وكذلك التعديلات المقترحة لتطوير التقارير السنوية لتلك الجهات، تظل رقابة الأداء في المجلس قاصرة وضعيفة ولا تحقق متطلبات المساءلة والمحاسبة!، وذلك لسبب بسيط يتمثل في عدم ضمان مصداقية التقارير السنوية ومدى الوثوق بها.
أما فيما يتعلق بملاحظات مجلس الشورى على تقرير ديوان المراقبة، فلم يتم حتى الآن الالتفات إلى مشكلة الرقابة الحكومية التي تتعلق في الأساس بمنهجية الرقابة نفسها، فما زال الديوان يمارس المراجعة المستندية القديمة، وهذه الطريقة غير مجدية اليوم ولا تحقق الأهداف الرقابية المتمثلة في حماية المال العام، وهذا لم يناقشه المجلس للأسف الشديد.
كنت قد اقترحت في الماضي أنه لا بد لمجلس الشورى من ذراع رقابية تتمثل في جهة رقابية مستقلة تساعده في ممارسة وظيفته الرقابية، حينها ما على المجلس سوى أن يسأل عن أي برنامج أو نشاط حكومي في مدى تحقيقه للأهداف المنوطة به بكفاءة وفعالية؟ والرقابة تجيب عن هذا التساؤل من خلال رفع تقارير مهنية وذات مصداقية إلى المجلس.. فمتى يكون ديوان المراقبة العامة الساعد الأيمن القوي لمجلس الشورى.. والإجابة عن هذا السؤال طال انتظارها كثيراً!.