جنيفر روبين

يحاول الأوروبيون، كما يحاول الجميع تقريباً على ظهر الأرض، فهم الرئيس دونالد ترامب وتوجهات إدارته الجديدة، ومعرفة من يتحدث باسم السياسة الخارجية الأميركية. ففي أوروبا هناك زعماء سياسيون انتقلوا من حالة الصدمة إلى حالة الارتباك. وحين سافر نائب الرئيس الأميركي مايك بينس إلى أوروبا كان خطابه أكثر بثاً للطمأنينة في النفوس من ترامب. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن نائب الرئيس أكد مراراً على أنه يتكلم نيابة عن الرئيس ترامب، ولكن التباين بين الرجلين في نبرة الخطاب واضح بشكل كبير. فقد أدلى بينس بتصريحات ملطفة لتهدئة واستمالة الدول الأوروبية التي لم تكن تشك منذ الحرب الباردة، وحتى وقت قريب، في دعم الولايات المتحدة لها. ولكن في اجتماع لترامب في الأيام القليلة الماضية في فلوريدا فعل العكس، فقد انتقد حلف شمال الأطلسي «الناتو» من جديد بعد ساعات من إشادة بينس بمناقب الحلف في ميونيخ.

والسؤال، هل هناك تأثير فعلي لبينس في تحديد التوجهات الراهنة، أم أنه يعمل خارج سياسة ترامب الخارجية «الرسمية» التي ترى أن المصالح الأميركية لا تتضمن أمن كل أوروبا؟ وقد ذهب «كريستيان إيهلر» عضو البرلمان الأوروبي، وهو حليف للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى الولايات المتحدة ليعرف ما إذا كان توجه ترامب وستيفن بانون المستشار الاستراتيجي مجرد «أيديولوجية» خطابية، أم أنه سياسة فعلية.

ونقل تقرير «بلومبيرج» عن «إيهلر» قوله: «إذا أصبحنا في موقف يغذي فيه المال الروسي حملات الجناح اليميني في أوروبا، على سبيل المثال، فإن برنامجاً اشتراكياً بالغ المحافظة وليبرالياً ومناهضاً للأجانب سيكون هو العمود الفقري لحملات مواقع التواصل الاجتماعي في أوروبا، ومع ارتباط هذا بشخصيات في الحكومة الأميركية، فسيمثل ذلك مشكلة كبيرة».

وبعبارة أخرى فإن القوى المؤيدة لبوتين يسعدها أن ترى ترامب يقوض، عمداً أو عن غير قصد، مكانة ميركل التي تبقى هي الحصن المنيع للعلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهي أكثر الزعماء حزماً في القارة حين يتعلق الأمر بروسيا والدفاع عن أوروبا. وفي هذا السياق كتب الصحفي الأميركي جيمس كريتشيك يقول إنه: «مع اقتراب الانتخابات الاتحادية الألمانية هذا الخريف فليس تدخل روسيا وحده هو الذي يشغل ميركل، ولكن التدخل الأميركي أيضاً. فقد أوضح ترامب أنه في أفضل الأحوال لا يبالي بالمشروع الأوروبي، إن لم يكن معادياً له بصراحة»!

وترى ميركل التي نشأت في ألمانيا الشرقية الشيوعية السابقة، أن روسيا في عهد الرئيس فلاديمير بوتين تمثل تهديداً لقيم الغرب وأمنه. وقد تصدت ميركل للانتقادات من الحكومة اليسارية التي يقودها حزب «سيريزا» في اليونان والحكومة اليمينية التي يقودها فيكتور أوربان في المجر، واستطاعت أن تتمسك بنظام عقوبات الاتحاد الأوروبي المفروض على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم. ولكن بانون مثل ترامب يرى في روسيا حليفاً محتملًا في مكافحة الإرهاب، وقلعة للدفاع عن القيم التقليدية.

وفي عام 2014 ذكر بانون متحدثاً عن بوتين أن «الغرب المسيحي اليهودي يتعين عليه حقاً أن يلتفت إلى ما يتحدث عنه بشأن القيم التقليدية، وخاصة منها دعم أسس القومية. وأنا أعتقد أن السيادة المنفردة لبلد ما شيء جيد وصلب». ولكن ميركل تؤكد على أهمية حلف شمال الأطلسي «الناتو» باعتباره حجر الأساس لأمن الغرب كله، ورادعاً ضد الاستقواء الروسي، في حين أن بانون، مثل رئيسه، يعتبر الحلف مصدر إزعاج.

ومن الجدير بالملاحظة أن أحد الإنجازات الكبيرة للنظام العالمي لفترة ما بعد الحرب الباردة هو اندماج ألمانيا الكامل -وهو ما استكمله الرئيس جورج بوش الأب- في الغرب كدولة ديمقراطية ومدافع قوي عن حلف شمال الأطلسي. وميركل هي من يمنع الحلف من التفكك، مع الإشارة من حين إلى آخر إلى مناشدات بضرورة حماية حرية الصحافة واحترام الحدود الدولية وحقوق الإنسان. وميركل بطريقة ما تمثل المواطن الغربي أكثر من ترامب الذي قضى حياته دون أي تقدير للقيم الأميركية، أو لزعامة الولايات المتحدة للعالم. ولكن الآن بصرف النظر عن مدى رغبة بانون في قيادة دولية للشعبوية فإن قدرته، وقدرة رئيسه، على فعل ذلك ما زالت محدودة للغاية.

* محللة سياسية أميركية

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»