عادل السالمي

وجهت الخارجية الإيرانية انتقادات شديدة اللهجة إلى أعضاء في لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني، بعد تسريبات كشفت عن خلافات داخل النظام الإيراني، بخصوص إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دول الخليج، والموقف من سوريا، فضلا عن رسائل متبادلة بين وزيري الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، والأميركي ريكس تيلرسون، يقترح فيها الأول إجراء لقاء سري في إسطنبول، وفتح قنوات اتصال مباشرة بين الإدارتين، كما اقترح عليه تعيين وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري منسقا في الاتفاق النووي.

وكان عضو لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي اتهم أول من أمس، حكومة روحاني بالسعي لإبرام سبع اتفاقيات على غرار الاتفاق النووي مع دول مجلس التعاون الخليجي وأميركا و«العودة إلى معايير ما قبل الثورة»، وفق ما نقلت عنه وكالة أنباء «دانشجو» المقربة من الحرس الثوري الإيراني. وفي توضيح تلك المعايير قال إنها «تهدف إلى أن تكون أميركا محور المنطقة والخليج، وأن دول المنطقة تتقاسم حصصا بوجود أميركا». على ضوء ذلك زعم قدوسي أن الحكومة الإيرانية تنوي إبرام اتفاقيات حول «البرنامج الصاروخي، و(حزب الله) لبنان، والاعتراف بإسرائيل، والتفاوض حول حقوق الإنسان، وافتتاح مكتب للاتحاد الأوروبي».

في هذا الصدد، كشف قدوسي عن رسالة موجهة من ظريف إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني يسأل فيها عن التجاوب مع مطالب جون كيري لإطلاق مفاوضات حول قضايا المنطقة، وذلك بعد «نجاح الخطوة الأولى في المفاوضات النووية». وقال قدوسي إن زيارة روحاني الأخيرة إلى عمان تأتي في سياق رسالة ظريف إلى روحاني، وبحسب البرلمان الإيراني فإن طهران تبدأ المفاوضات مع دول مجلس التعاون قبل التوجه إلى بدء التفاوض مع أميركا حول شؤون المنطقة.

كما كشف قدوسي اللثام عن الصراع الدائر في أروقة السلطة الإيرانية بشأن ما يتردد عن محاولات إدارة روحاني لتخفيف التوتر بين طهران وجيرانها، وقال قدوسي في هذا الإطار «إننا نشاهد إصرارا من وزير الخارجية وفريقه للقاء مع السعوديين إلى درجة لاحظنا أنهم يحزمون الحقائب من ثلاث إلى أربع مرات للتفاوض مع السعودية، لكن واجهت معارضة مفادها بأن المشكلة مع السعودية لا يمكن تجاوزها عبر الحوار».

وعلى الصعيد ذاته، أفاد بأن مساعد وزير الخارجية في الشؤون العربية والأفريقية، حسين جابر أنصاري، «توجه خلال الأيام القليلة الماضية وبعد شرح أوضاع المنطقة خصوصا السعودية طالب بتجنب اتخاذ مواقف متشددة من السعودية»، مضيفا أنه رد على أنصاري قائلا إن «ذلك يخالف السياسات العامة للبلد، وإن النظام والشعب لديهم مواقف من السعودية» حسب زعمه. وتابع قدوسي أن الخارجية الإيرانية ذكرت أن الأطراف الغربية حاولت التفاوض مع إيران حول قضايا خارج الملف النووي، مضيفا أن «المفاوضات النووية كانت منصة الانطلاق لمفاوضات أخرى».

من جهتها، أصدرت وزارة الخارجية الإيرانية أمس بيانا شديد اللهجة انتقدت فيه تصريحات عضو البرلمان الإيراني عن مدينة مشهد جواد كريمي قدوسي. ونفى بيان الخارجية أن يكون وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف وجه رسالة خلال الأيام الأخيرة إلى نظيره الأميركي ريكس تيلرسون، واعتبرت «مزاعمه بلا أساس وكاذبة ومتوهمة».

* ظريف طلب لقاء سريا مع تيلرسون

واتهمت الخارجية الإيرانية كريمي قدوسي بسوء النيات في إطلاق تصريحات ضد الخارجية، وقالت في بيان إن «إصراره وعناده في إثارة الادعاءات الكاذبة والواهية ضد أعلى المسؤولين في الجهاز الدبلوماسي من أجل تشويش الرأي العام».

ونقلت وسائل إعلام إيرانية أمس عن كريمي قدوسي قوله إن ظريف وتيلرسون تبادلا رسائل خلال الأيام القليلة الماضية. وأضاف أن ظريف «وجه في رسالته أربعة مطالب من تيلرسون، ونأمل ألا ينفي وزير الخارجية ذلك، لأن كل ما يذكر مطابق للواقع». ومن ضمن المطالب، فإن ظريف يطالب الإدارة الأميركية الجديدة بألا تمزق الاتفاق النووي، مهددا بأن إيران ستقدم شكوى إلى مجلس الأمن ضد أميركا بسبب انتهاك الاتفاق النووي، كما تتضمن الرسالة مقترحا من ظريف لإجراء لقاء سري بين الطرفين في إسطنبول.

وفي تصريحه، أشار قدوسي إلى أهم مطالب ظريف، وقال إنه «طالب وزير الخارجية الأميركي بتعيين ممثل خاص للاتفاق النووي»، ويقترح عليه اختيار وزير الخارجية السابق جون كيري، «لأنه يملك علاقات جيدة وشفافة مع الفريق المفاوض النووي». ويؤكد ظريف ضرورة وجود «خط اتصال مباشر للحالات الطارئة والمواقف الخاصة» بين الخارجية الإيرانية والأميركية، وفق ما أوردت وكالة «نادي الصحافيين الشباب» التابعة لهيئة الإذاعة والتلفزيون.

قبل شهرين أثار كريمي قدوسي جدلا واسعا بتسريبه تصريحات وزير الخارجية خلال اجتماع مغلق في البرلمان حول تمديد العقوبات على إيران لفترة عشر سنوات وتنفيذ الاتفاق النووي، وخلال تلك التصريحات كشف قدوسي عن طلب توجه به ظريف إلى منسقة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي للتوسط بين طهران وواشنطن، وذلك بعد فوز دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية.

وفي جزء آخر من تصريحاته، فإن كريمي قدوسي هاجم، في تصريحه لوكالة «دانشجو»، مواقف الإدارة الإيرانية من الأزمة السورية، وقال إن ظريف «دعا إلى حل سلمي في القضية السورية حين كنا على بعد خطوتين من فتح حلب وكثير من القضايا الإقليمية». ووصف قدوسي سياسة روحاني وظريف بـ«غير المجدية»، وذلك في إشارة إلى معلومات سابقة حول خلافات عميقة بين الحرس الثوري والحكومة حول سوريا. وقال قدوسي إن أطرافا حاولت حذف إيران من اجتماعات الآستانة، لكن موقف النظام السوري أعادها إلى طاولة المفاوضات، وقال إن «تيار المقاومة وليس ظريف من كان السبب في إدارة إيران مفاوضات الآستانة».

كذلك قدم قدوسي معلومات جديدة حول زيارة رئيس الوزراء السوري عماد خميس إلى طهران منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، وقال إنها جاءت بعد أيام من أوامر روحاني بوقف تصدير مائة ألف برميل من النفط إلى سوريا قبل أن تستأنف «بعد قرار عاجل».

ولم يذكر النائب في البرلمان الإيراني التوقيت الذي أدلى به وزير الخارجية ومساعده عباس عراقجي بتلك التصريحات. وتقيم الخارجية الإيرانية كل ثلاثة أشهر عددا من الاجتماعات غير المعلنة مع لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان لبحث تنفيذ الاتفاق النووي.

كما اعتبر قدوسي قبول إيران القيود المتعلقة ببرنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية في قرار «2231»، «خطأ استراتيجيا وتساهلا وغفلة».

وقالت الخارجية الإيرانية، إن دوافع شخصية وراء تلك التصريحات التي ذكرها كريمي قدوسي الذي يعد من أبرز النواب المعارضين لتوقيع الاتفاق النووي. وأضاف بيان الخارجية أن نواب البرلمان والشعب الإيراني «على اطلاع جيد حول السياسة الخارجية الإيرانية، وأنها لا تتأثر بتلك التلقينات الخاطئة».

* رفض التعليق على اعتقال مسؤولين

في سياق منفصل، رفض وزير العدل الإيراني مصطفى بور محمدي التعليق على ما ذكرته وسائل إعلام إيرانية حول اعتقال مسؤول في مكتب الرئاسة الإيرانية، وقال بور محمدي، في تصريح لوكالة «إيلنا»، إن الجهة التي يجب أن ترد على ذلك المتحدث باسم الحكومة الإيرانية.

وبشأن خطط محتملة لإلغاء وزارة العدل، قال بور محمدي، إنها «قضية نظرية، وإن وزارة العدل الوزارة الوحيدة المذكورة في الدستور»، مشددا على أنه «لا يمكن تغيير أسهمها أو موقعها».

* أسرة رفسنجاني في مفترق طرق

في غضون ذلك، نفت ابنة هاشمي رفسنجاني الأخرى فائزة هاشمي أن تكون لديها نيات لمغادرة إيران، معتبرة ما تردد من تقارير صحافية حول نيتها للسفر إلى خارج إيران بأنها «إشاعات»، ونقلت صحيفة «إيران» الناطقة باسم الحكومة عن هاشمي قولها إنها لا تفكر بالسفر أو الهجرة إلى خارج إيران.

وكانت فائزة هاشمي من أبرز الموقوفين عقب خروج احتجاجات الحركة الخضراء على نتائج الانتخابات الإيرانية، كما أنها واجهت قيودا مشددة من قوات الأمن في النشاط السياسي بعد الإفراج عنها.

وتناقلت مواقع إيران معلومات عن خطة رفسنجاني للإقامة في لندن أو كندا، لكنها رفضت صحة تلك المعلومات، وقالت إنها «معلومات كاذبة وبلا أساس». وقالت: «لا أعرف مصدر الإشاعات لكن يجب ألا ننسى بأن الشائعات لا تظهر بلا سبب. يثيرون هذه الشائعات والشائعات الأخرى حتى يستخدموها في الوقت المناسب مثلما فعلوا ضد والدي».

وردا على وجود خلافات بين أبناء رفسنجاني بعد وفاته قالت: «نحن الآن أقرب من بعضنا إلى بعض. منذ انتخابات الرئاسة وما بعدها في 2005 آراؤنا متقاربة... بعد 2009 تعمق هذا التقارب واستمر. أعتقد نحن من أكثر الأسر السياسية المتماسكة».

وجاءت تصريحات هاشمي ردا على النائب في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدوسي في مدينة قم نهاية الأسبوع الماضي، تحدث فيها عن خلافات بين أبناء رفسنجاني ومخطط لمغادرة إيران.

* مرجع إيراني يرد على انتقادات روحاني

من جانب آخر، رد المرجع الإيراني حسين نوري همداني على تصريحات حسن روحاني الأحد الماضي التي وجه فيها انتقادات إلى فرض قيود على الشعب الإيراني بترويج الحزن والبكاء وتحريم الضحك، وقال همداني من دون الإشارة إلى اسم الرئيس الإيراني إن «بعض المسؤولين يقولون يجب أن يفرحوا الناس. كيف يمكن الفرح بالبطون الخاوية ورؤية الشباب العاطل عن العمل؟».

وكانت تصريحات روحاني موجهة إلى هيئة الإذاعة والتلفزيون بسبب إعلانها أسعار السلع والخدمات العامة.

وتابع همداني أن «على المسؤولين أن يعرفوا أنه يجب حل الوضع المعيشي للشعب، وأننا نتسلم شكاوى كثيرة من المعيشة والبطالة وأوضاع البنوك»، مضيفا أن «قائد النظام عندما يقول أشعر بالخجل عندما أرى حال الشعب كيف لا يشعر البعض بالخجل؟»، حسبما ما نقلت عنه صحيفة «وطن امروز» في عددها الصادر أمس..