صفوق الشمري

من المستحيل تطبيق أفكار وخطط شركات الاستشارات العالمية، وأنت لا تملك الأدوات الرئيسية أو أول قاعدتين في الهرم الاقتصادي (الملائكة) والـ(فنشر كابتيل) الطبيعي

 اقتصادنا يختلف عن كل العالم، وعندما نقول إنه لا يوجد ملائكة في الاقتصاد، ففعلا هذا هو الحاصل، وسنشرح في هذا المقال الأهمية القصوى لوجود الملائكة في الاقتصاد.
في الاقتصاد الأميركي تشكل الشركات الصغيرة والمتوسطة 99%‏ من عدد الشركات، وحوالي أكثر من 50% من الوظائف، و أكثر من 98%‏ من الصادرات الأميركية تأتي من الشركات الصغيرة والمتوسطة، مثال آخر في هونغ كونغ، تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة 98% من عدد الشركات وتوفر 60% من الوظائف. أيضا في اليابان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة حوالي 99%‏ من عدد الشركات وتوفر 69%‏ من وظائف البلد!
أما في السعودية فالهرم مقلوب، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا توظيف، ولا تضيف شيئا مهما للاقتصاد، وهذا يرجع لأسباب منها حكومي ومنها خاص،
فما هو السبب الرئيس الذي جعل الاقتصاد الأميركي والياباني وغيرهما، يجعل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة هي العامود الفقري؟ إنه وجود المستثمرين الملائكة، أو ما يطلق عليهم في علم الاقتصاد (أنجل إنفيسترز). عندما تنشئ أي شركة أو مؤسسة صغيرة أو محلا أو فكرة مشروع، تحتاج تمويلا. طبعا المؤسسات الاقتصادية والبنوك لن تقوم بالدعم غالبا في البداية، لأنه ليس لديك تاريخ تجاري.. إلخ، هنا يأتي الدور الحاسم للمستثمرين الملائكة بدعم المشاريع والحصول على حصص في أكثر من شركة أو مؤسسة صغيرة بمبالغ مالية معقولة، تقريبا أغلب الشركات الأميركية الكبرى بدأت من خلال المستثمرين الملائكة، ليس كل الشركات ستنجح، لكن التي ستنجح سترتفع قيمتها بشكل كبير. المستثمرون الملائكة يقبلون المخاطرة في الشركات الجديدة ويوزعون أموالا محددة على عدة شركات ناشئة، قد تصل إلى 5 - 7 شركات أو أكثر، وبما أن عددهم كبير وأموالهم موزعة، فإن الخطورة ستقل تبعا لذلك، وغالبا إحدى الشركات ستنجح وسترتفع قيمتها أضعافا مضاعفة، لذلك عادة لا يخسرون، وإذا استمر تقدم الشركة بعد 2- 3 سنوات، ربما حان وقت دخول المؤسسات المالية أو ما يسمى (فينشر كابيتال) لكي تقوم بالدعم لكي تصبح المؤسسة أكبر وأسرع نموا، هناك في أميركا حوالي 250 ألف مستثمر ملاك! بل إن هناك أندية للمستثمرين الملائكة، وعدد التمويلات للشركات الجديدة من الملائكة هو ضعف ما تموله المؤسسات الاستثمارية الـ(فنشر كابيتال).
لكن الوضع في اقتصادنا مقلوب رأسا على عقب، لأنهم يحاولون محاكاة الاقتصادات المتقدمة، وكلاميا يشجعون المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولكن الواقع يقول إنه ليس لدينا قاعدة للهرم (أنجل انفيسترز)! في أغلب دول العالم المتقدمة والمتوسطة (أنجل انفيسترز) هم القاعدة الهرمية الأهم، ولكن الهرم لدينا مقلوب! لذلك لا تستطيع أن تحاكي الاقتصادات العالمية مهما فعلت، لأن أهم أسس القاعدة الاقتصادية أصلا غير موجود، بل إن الأدهى والأمر والأعجب، أن المؤسسات المالية السعودية (فينشر كابيتال)، أغلبها يرفض تمويل حتى المشاريع الناجحة إذا كانت جديدة، أو تسمى (غرين فيلد)، ويريدون مشاريع جاهزة تقليدية للاستحواذ عليها، مما يعني أن القاعدة للهرم الاقتصادي غير موجودة (الملائكة)، والطبقة التي تليها (فينشر كابيتال) أيضا مريضة أو حذرة، وتقريبا غير فعالة، يعني عمليا مهما عملت لن تحاكي الاقتصاد العالمي بشكل مقنع!
المشكلة المثيرة للتعجب أن موضوع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة صار موضة إعلامية، فكثير من المسؤولين يعلنون عن مؤتمرات ودعم كلامي لاطائل منه في الغالب، بل إنه يريد بناء الهرم من راْسه، فأوجدوا الحاضنات والمسرعات لتثقيف الرياديين وأصحاب الأعمال بتطوير المؤسسات الصغيرة، وهي لا شك بيئة مساعدة وصحية، لكن عزيزي وببساطة؛ إذا لم توجد قنوات تمويل حقيقية قوية، فكل ما تقوله لن يحرك ساكنا وسيصبح نظريا فقط! المال والتمويل هو مصدر الطاقة للمؤسسات لكي تتحرك.
أما الملاحظة الأخرى الغريبة، فهي أن كثيرا من الذين يدعون برياديي أعمال هم في الأصل أبناء تجار، وأستغرب لماذا يزاحمون بقية الناس على هذه الفرص.
في أميركا هناك أكثر من 4000 عائلة غنية، أنشأت صناديق خاصة بملايين الدولارات، لكي تدعم أعمال أبنائها تحت إشراف اقتصاديين محترفين، ولم يزاحموا الناس العاديين على قنوات التمويل من أجل لقب ريادي.
هناك من يقول الحكومة أنشأت صندوقا لرأس المال الجريء، وهناك صناديق لدعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، والرد بسيط جدا، ويكمن في أن أي موظف حكومي بعقلية بيروقراطية حكومية سيتولى صناديق إبداعية سيرفض أي إبداع أو أفكار جديدة، بل سيحطمها!، والدليل أمامنا، كثرة الصناديق الحكومية دون تغيير اقتصادي مهم يذكر. 
تصور معي لو أن مخترع الوتساب أو أمازون أو أي باي، أتى لأحد الموظفين الحكوميين بفكرته قبل سنوات، سيرفضها حتما لأنه لا يستطيع تصورها حتى! إذا كانت بعض الأفكار الناجحة الموجودة حاليا في دول أخرى ترفض أن تدعم، بسبب أنها الأولى في المملكة. 
ببساطة الموظف الحكومي البيروقراطي حذّر من أن يكون الأول في أي أفكار جديدة، فما بالك بأفكار خيالية مثل تويتر وأوبر.
خلاصة القول من المستحيل تطبيق أفكار وخطط شركات الاستشارات العالمية، وأنت لا تملك الأدوات الرئيسية أو أول قاعدتين في الهرم الاقتصادي (الملائكة) والـ(فنشر كابتيل) الطبيعي، وإذا أرادت الحكومة بناء الهرم، فيجب السماح بأندية المستثمرين الملائكة أو حتى فتح المجال للمستثمرين الملائكة الأجانب، ويجب إجبار الـ(فنشر كابيتال) الحالية، على التخلص من رهاب الغرين فيلد، أما البنوك فأصبح ميؤوسا من حالتها إذا لم تفرض الدولة عليها قوانين (الكوته) لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، خصوصا أن هذه المنشآت تلقت ضربة قوية بزيادة الرسوم ورفع الدعم عن الخدمات، أما غير ذلك فإن المؤتمرات والبحوث عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا تسمن ولا تغني من جوع بدون التمويل.