رجاء العالم

العامل الثالث المؤثر على السياسة حالياً هو استطلاعات الرأي، ونجد أن أحد أهم مزالقه أن نتائج الاستفتاءات المبدئية قد يقلل من شأنها وتؤخذ باستخفاف، كما حدث في استطلاعات الرأي التي سبقت انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي Brexit، وكما حدث فيما سبق انتخاب الرئيس الأميريكي دونالد ترامب،

ومحاولة رصد فرصته في الفوز بالرئاسة، فإن كل الاستفتاءات التي تمت ببريطانيا قالت: إن الشعب البريطاني سيصوت مع بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، وفشلت تلك الاستفتاءات بالتكهن بالتصويت الأخير وقرار الانفصال الذي اتخذه الشعب البريطاني. فمثلاً في فرنسا حالياً لو قالت الاستفتاءات بأن توجهات الشعب الفرنسي تشير لنسبة ٥٥٪‏ لصالح فيون مثلاً، و٤٥٪‏ لصالح مارين لوبين فإن الفرق ١٠٪‏ بين الاثنين سيمنح أماناً ما للمنتخبين بحيث لن يجدوا مبرراً للخروج للانتخاب، بينما لو قال الاستفتاء بأن النسبة ستكون ٥٠٪‏ لكل من المُرْشحَين فإن ذلك سيدفع المنتخبين للمسارعة لصناديق الانتخاب في محاولة لإحداث الفرق وتجنب انتخاب مارين لوبين الممثلة لليمين المتطرف. لكن ذلك لا يعني أن مراكز الاستفتاء تتعمد قيادة تفاعلات الجمهور، لكنها ورغم محاولتها لالتزام الحياد فهي مؤثرة على نتائج تلك الانتخابات.

لأنه في حالة ترامب فلقد تم أيضاً تضليل الاستفتاءات من قبل المُنْتَخِبين الذين أخفوا حقيقة توجههم حتى صاروا بمواجهة صناديق الاقتراع فأسفروا عن رغباتهم. فمثلاً آخر استفتاء تم في فلوريدا قبل يومين من الانتخابات النهائية أظهر نسبة ٥٠٪‏ لصالح كلينتون و٤٦٪‏ لصالح ترامب، لكن في الواقع فإن ترمب قد فاز في هذه الولاية بنسبة ٤٩.١٪‏.

ومراكز الاستفتاء مسؤولة هنا لأن نتائجها ورغم كونها مجرد تقديرات للواقع إلا أنها تؤثر على النتائج لأنها تجعل الناس يؤمنون بكونها الحقيقة مما يضلل عن الواقع. ولقد تعرضت مراكز الاستفتاء لحملة نقد عنيف عقب ظاهرة ترامب وانفصال بريطانيا، مما دفعها للحذر في طرح تقاريرها، لكن ذلك لا يعني أنها لن تتدخل في تقرير نتائج الانتخابات الفرنسية المقبلة في أبريل المقبل.

ومن المفارقة أن تُمْنْع مراكز الاستفتاء في فرنسا من نشر نتائج استفتاءاتها مع بدء الانتخابات النهائية حتى لا تؤثر على المنتخبين، لكن ربما عدم نشر النتائج قد يشكل عاملاً مؤثراً بحد ذاته. لأن آخر ما نُشر سيظل مؤثراً، ولفهم ذلك نأخذ مثلاً مريضاً اتخذ قراراً بالخضوع لعملية جراحية بناء على نتائج فحوص طبية، لنتخيل أن يقوم الطبيب بحجب نتائج فحوصات جديدة تمت يوم العملية، وذلك بحجة أنه لا يريد التأثير على قرار مريضه، متجاهلاً أن القرار هنا قد تم اتخاذه بناء على نتائج قديمة.

بحر عاصف يواجه الانتخابات الفرنسية، وبيد الشعب الفرنسي أن يقود بلاده لشاطئ الأمان ويعطي مثلاً دولياً لإرادة حفظ الديموقراطية وتحقيق التغيير.