إنه خطاب رئاسي. بهذا الانطباع خرج معظم الذين شاهدوا الكلمة المطولة التي ألقاها رونالد ترامب أمام مجلسي الكونغرس أمس بعد 40 يوماً من تنصيبه.
وساهمت الجدية التي تحدث بها الرئيس مضافة إلى تخليه في المناسبة عن ربطة العنق الحمراء في إضفاء أجواء جدية تعاكس ما سبق أن تشكل في ذهن كثيرين عن الملياردير القادم من عالم الصفقات والتصرفات الخفيفة.


واضح أن التحضير للخطاب كان جيداً. وقصد المخططون له تقديم الرئيس، ليس بصفته مثار جدل ناقص الشرعية، بل بوصفه رئيساً جمهورياً كامل الصفات وزعيماً للدولة الأقوى في العالم، وساعياً إلى وحدة المجتمع الأميركي وتقديم أولوياته ومصالحه على سائر الأوليات.
ضمن هذا المنطق لم يخرج ترامب عن وعوده الانتخابية ببناء الجدار على حدود المكسيك، وضبط الهجرة، ومكافحة الجريمة، والقضاء على «داعش»، والحد من طموحات إيران الباليستية، ومحاربة «إرهاب الإسلام الراديكالي»، إلى سائر مقولاته التي كررها على مدى أشهر بصيغ بدائية غرائزية ومفردات مستفزة، لكنه صاغها أمس بلغة سياسية وإن بدت مشذبة، فإنها لم تفقد قوتها ولا مضمونها.
كرس ترامب في خطابه شعار «أميركا أولاً»، فتحدث عن الاتفاقات التجارية المتكافئة مع الدول وعن دعمه «الناتو» شرط أن يدفع أعضاؤه ما يتوجب عليهم «وهم بدأوا يدفعون». ونجح ترامب في إبراز مسألة إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة وخلق وظائف للأميركيين. ولم ينس أن يتحدث عن وجوب دعم الجيش والشرطة، متحدثاً بلغة عاطفية عن عنصر من المارينز سقط في مهمة صعبة في اليمن، وحظيت زوجة الجندي القتيل التي كانت بين الحضور بتصفيق من كل الكونغرس لمدة عشر دقائق متتالية.
تجنب ترامب ذكر روسيا، لعلمه أن موضوعها شائك وربما لأنه لم يحسم بعد طريقة تعامله مع الرئيس بوتين، بعدما أرسل الطرفان إشارات متناقضة إلى رغبة جارفة في التعاون وتمسك مطلق بالسياسات المتعارضة.
بعد الخطاب بنحو ساعة كانت محطة «سي إن إن» التي تخوض ضد ترامب حرباً بلا هوادة تؤكد في استطلاع أجرته أن 69 في المئة من المشاهدين كانوا راضين عن أداء الرئيس، وأن نسبة مشابهة ازداد أملها بتحسن الوضع في الولايات المتحدة.
خطاب أمس بدا وكأنه حفل التنصيب الأساسي، فهل يتابع الرئيس المتسرع هذا المنحى الذي سيحوله إلى رئيس عادي، أم أن طبعه سيغلب التطبع، وستطيح تغريدة «تويتر» واحدة جهد كل المستشارين؟!