محمد برهومة

فرضت الظاهرة الإرهابية في الشرق الأوسط ضغوطاً شديدة على أمن المعابر والحدود والقوات المنوط بها حمايتها في كثير من البلدان العربية، سواء في الأردن أو لبنان أو مصر أو السعودية وتونس والجزائر... وذلك بتأثير من أماكن الصراع في العراق وسورية وليبيا واليمن. وتكاد الحالة الأردنية تقدّم نموذجاً عن الطابع الإقليمي للظاهرة الإرهابية وضرورات اشتقاق أطر إقليمية لمحاربتها ووقف تمددها في المنطقة العربية. 

ففي الآونة الأخيرة شــن «داعش» هجوماً عنيفاً على معبر طريبيل الحدودي بين الأردن والعراق قتل خلاله 16 شرطياً عراقياً، وقد اعترفت الجهات الرسمية العراقية بمحاصرة التنظيم الإرهابي عدداً من الجنود من فوج المغاوير الثالث لحرس حدود الأنبار في منطقة عنادة على الشريط الحدودي بين طريبيل وعرعر؛ ما يعني أن ملف أمن المعابر الحدودية بين الأردن والعراق والسعودية، بات موضوعاً حيوياً يستوجب مقاربات وحلولاً ذات طابع إقليمي، إلى جانب التفاهمات الثنائية. ويبدو أن الخطر المقبل من سورية على هذا المثلث الحدودي، في حال التقدم في معركتي تحرير الرقة وتدمر، سيجعل خلق الأطر الإقليمية لمحاربة التنظيم ودحره أكثر إلحاحاً، بخاصة في الستة أشهر المقبلة.

معنى ذلك أن الطابع الإقليمي للظاهرة الإرهابية في منطقتنا يفرض على دول الإقليم، وبعضها بدأ بالفعل، إجراء مراجعات سياسية وأمنية لتأمين مصالحها واستقرارها، ما يتطلب عدم غلق النوافذ، بل الانخراط في تسويات والقيام بإعادة تموضعات تكتيكية واستراتيجية، لأن الانخراط في مواجهة الإرهاب محدد أساسي للمشاركة في تشكيل السياقات الإقليمية وخرائط المصالح والنفوذ ما بعد «داعش»، وهو محدد محلّ توافق أميركي - روسي، أو على الأقل سيكون مدخلاً أساسياً ومناسباً لإجراء تفاهمات بين الطرفين حول قضايا الشرق الأوسط.

وتزداد أهمية التفاهــمات الإقليمية والتعاون الجماعي والدولي لمحاربة الظاهرة الإرهابية، وفي واجهتها «داعــش» و «الــقاعدة»، لصــعوبة احتوائهما من جانب طرف أو دولة بعينها وحدها؛ بالنظر إلى تحركهما في مناطق فراغ سكاني شاسعة في الصحراء حيث نــشأ، على الأخص، «داعش»، وذلك يتطلب إعادة صــياغة للخطــط الأمنــية وتعــديل قواعــد الاشتــباك وآليات المراقبة على الحدود وإعادة الاعتبار أو توسيع الأردن فكرة «الوسائد الأمنية» عبر توســـيع التواصل مع العشائر السورية والعراقية لتعزيز البيـــئة الطاردة للإرهاب، لا سيما أنّ معركتي الموصل والرقة ســـتدفعان قيادة «داعش» وحلفائه إلى اســتراتيجية تخفيف الضغط عن المركز وإشغال الأطراف، والمناطق الحدودية ضمن بنـــك الأهــداف كما نرى.

وفي الشهر الماضي، انتشرت قوات أميركية برية قرب الطريق الدولي الذي يصل الأنبار بالأردن لتأمينه ضد هجمات متقطعة يشنها «داعش» الذي ما زال يحول دون افتتاح معبر طريبيل.

والحقيقة أنّ حديثنا عن الحالة الأردنية كنموذج لفحوى ما تقدّم إنما يسوّغه أن وجود «داعش» أو هجماته على معابر طريبيل ونصيب وعرعر، صار مقروناً بالصراع على حدود الأردن الجنوبية مع مصر بين «داعش» والسلطات المصرية في سيناء. وقد سقطت في الأيام الماضية ثلاثة صواريخ على ميناء إيلات الإسرائيلي أطلقها التنظيم، وسقطت شظايا صدِّها من جانب «القبة الحديدية» الإسرائيلية على مدينة العقبة الأردنية، الواعدة اقتصادياً.

المسؤولية المشتركة عن تأمين المعابر والحدود تصبّ في المساعي المطلوبة لإضعاف نزعات العنف الميليشيوي والإرهابي، وهي مسؤولية لا تكتسب أهميتها للدواعي الأمنية المباشرة فقط، بل كذلك لما تخلقه من فرص اقتصادية. فلطالما كرر المسؤولون الأردنيون والعراقيون، مثلاً، أن فتح معبر طريبيل سيعمل على انتعاش الاقتصادين العراقي والأردني في شكل كبير، وأن إقليم كردستان العراق سيشهد انتعاشاً ملحوظاً نتيجة ذلك؛ لأنه سيقلل من الاعتماد على التجارة عبر منفذي تركيا وإيران، ويسهّل مرور التجارة من دول شرق آسيا.


* كاتب أردني