أحمد الفراج

يعتبر خطاب الرئيس الأمريكي أمام الكونجرس حدثاً مهماً، وهو غالباً يحدث مرة واحدة في العام، وأحياناً أكثر من مرة، في الحالات الضرورية، مثل حالات الطوارئ والحروب، أو عندما يحتدم الجدل الحزبي، حول سياسات تهم الشعب الأمريكي، وقد ألقى الرئيس ترمب خطاباً، أمام الكونجرس، بصفة استثنائية، يوم الثلاثاء الماضي، بسبب حالة القلق التي تعم الشارع الأمريكي.

وجرت العادة في مثل هذه الخطابات أن يحضر كل أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، وكل، أو معظم أعضاء المحكمة العليا وأركان إدارة الرئيس، وأهم القادة العسكريين، علاوة على أفراد أو مجموعات من المواطنين، تتم دعوتهم من إدارة الرئيس، أو من الحزب الذي خارج السلطة، وتهتم وسائل الأعلام بهذا الحدث، إذ تنقله كل وسائل الإعلام، وتشاهده شرائح واسعة من الشعب الأمريكي، وغالباً يعلن الرئيس سياساته في هذا الخطاب، ويبررها، في محاولة لإقناع المشرعين والشعب بها.

جاء خطاب ترمب أمام الكونجرس في ظل ظروف استثنائية، حيث الانحياز الإعلامي ضده، والمظاهرات الشعبية الكبيرة، التي يؤكّد ترمب أن معظمها مدبر، من قبل خصومه الديمقراطيين واليسار الليبرالي، فقد واجهت إدارته معارضة عنيفة، بعد قراره التنفيذي، بخصوص منع مواطني سبع دول من دخول أمريكا، وهو القرار الذي تم تجميده من قبل أحد محاكم الاستئناف الفيدرالية.

كما لا يزال ترمب يواجه مشكلة التدخل الروسي في سير الانتخابات الأمريكية، وهي القضية التي أطاحت بواحد من أبرز مساعديه، أي مستشار الأمن القومي، الجنرال مايكل فلن، المتهم بالتواصل مع الروس، ويشيع الإعلام الأمريكي أن البيت الأبيض يعيش حالة فوضى، وصراعات بين أقطاب إدارة ترمب، خصوصاً بين أقرب مساعدي الرئيس، والعقل المدبر ومهندس فوزه، كبير الإستراتيجيين ستيف بانون، وبين مستشاره المقرب وزوج ابنته، جاريد كوشنر.

والأهم من كل ذلك هو الصراع الذي يدور حول مشروع أوباما للتأمين الطبي، وهو المشروع الذي يصر ترمب على إلغائه واستبداله، ويصر خصومه على أنه الخيار الأفضل.

ترمب ومستشاروه كانوا يدركون حجم البلبلة التي تثار في واشنطن وعلى امتداد أمريكا ضد ترمب، ويدركون حجم الحرب التي يشنها خصومه عليه، بمساعدة من الإعلام اليساري المنحاز، وكانوا يعلمون أن الإعلام المنحاز سيستغل هذه الفرصة للبحث عن أي زلة يرتكبها الرئيس. 

والمفارقة هي أن هذا الإعلام، الذي ينتقد ترمب على اتخاذ إجراءات محددة، هو ذات الإعلام، الذي لم ينبس ببنت شفة، ضد ذات الإجراءات التي اتخذها سلفه، الرئيس أوباما، وأهمها منع أوباما دخول العراقيين لأمريكا لمدة ستة أشهر، ومع أنه كان من المتوقّع أن يستفز الديمقراطيون ترمب، أثناء إلقاء خطابه، في محاولة منهم لدفعه لارتكاب أي خطأ، إلا أن ترمب فاجأ الجميع بخطاب رئاسي، يختلف كلياً عن خطاباته السابقة، فهل استطاع إصمات خصومه؟! ..هذا سيكون موضوع مقالي القادم!