أحمد عبدالتواب

تبرئة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، بقدر ما هى نتيجة مؤسفة بما تحمله من خسائر، فإنها ليست فشلاً للثورة، وإنما هى خطأ من أغمضوا أعينهم وأغلقوا عقولهم وأصرّوا على أن يمضوا فى مقدمات كان من المرَجَّح أنها ستُفضى إلى هذه النتيجة. 

فكيف كان يمكن تصور أن يُدان بقوانين وضعها بنفسه، أو ورثها مِمن قبله وحرص على استمرارها، وهى موضوعة لحمايته وحماية من يتولى هذا المنصب؟ وعلى كل الأحوال، فإن الإدانة التى كانت مأمولة ليست بقوة إدانته فى قضية الفساد المشهورة باسم «القصور الرئاسية»، وهى جريمة مُخِلَّة بالشرف، بعد أن ثبتت عليه تهمة الاستيلاء على 125 مليون جنيه من المال العام كانت مخصصة للقصور الرئاسية، ولكنه قام بالتزوير فى محررات رسمية، واستغل المال فى أعمال إنشاءات وديكورات فى المنازل الخاصة له ولنجليه، وهى إدانة تمنعه من ممارسة العمل السياسى بالترشح فى أى انتخابات، وتسحب منه الأوسمة والنياشين، وتحرمه من جنازة رسمية..إلخ.

أما جريمة قتل المتظاهرين، فهى، على بشاعتها، ومع كل الإجلال للشهداء والتقدير لبطولاتهم والتعاطف مع ذويهم، فقد كان يمكن لمبارك، إذا أدين فيها، أن يجد من يدافع عنه فى الحاضر وفى المستقبل بأنه كان يقوم بمسئوليته فى الدفاع عن أمن البلاد، وأنه اتخذ قرار التصدى للمتظاهرين لحماية الأمن العام وأمن المواطنين من الفوضى والبلطجة..إلخ. أضف أيضا أن الثورة عندما انطلقت كان لديها الأسباب الكافية للإصرار على الإطاحة به وبحكمه وبنظامه، ولم تكن جريمة قتل المتظاهرين قد وقعت بعد. ولكن شاء أصحاب الصوت الأعلى أن يتناسوا أسباب الثورة الحقيقية، التى خرج الناس من أجلها، وأن يضعوا الجريمة المُستَجَدَّة على قائمة المطالب، ولم ينجحوا فى أن يجمعوا هذا مع ذاك فى جملة مطالب الثورة، وأن يطرحوا برنامجا واضحا تتجلى فيه أولويات مهام الثورة. وكان ينبغى أن يطول النقاش حول قضية الأموال المهربة للخارج، وهل يتسق مع مستهدفات الثورة أن تسبق هذه الأموال استعجال تحقيق ما ثار الناس من أجله؟!.