علي سعد الموسى

كان صاحبي يبعث إلي برسائله مشككا في قدرة أبها على أن تكون عاصمة السياحة العربية لهذا العام. 
ومن رسائله وأيضا من بعض حواراتي مع كثر من قبل تأكدت تماما أن هناك عسر فهم في المناسبة والحدث والاختيار. خذ في مثال التقريب: اختيار لشبونة عاصمة الثقافة الأوروبية في عام مضى لا يعني أنها تتفوق على باريس أو لندن. وبالشبه فإن اختيار أبها عاصمة للسياحة العربية لهذا العام لا يعني أنها فازت على أخواتها بعد سباق تنافسي، ولا يعني أنها ستدخل ماراثون استقطاب سياحي مع القاهرة أو دبي أو حتى جدة. 
الفكرة برمتها اختيار تدوير موسمي تدخل فيه المدن العربية التي تحمل سجلا سياحيا، ومن المؤكد أن لأبها إرثا تاريخيا في هذا المجال لا ينكره إلا مغالط للحقائق. وللذين لا يتحدثون عن أبها إلا من زاوية المناخ والطبوغرافيا المدهشة سأبصم معكم موافقا، ولكنني سأضيف أن هذا عامل إضافة وتميز لا تنافسها فيه على الإطلاق مدينة سياحية عربية، وفي النهاية سيبقى المناخ والتضاريس أحد جواهر تحديد الوجهة السياحية.
ثم إن أبها التي نتحدث عنها اليوم كعاصمة للسياحة ليست مجرد الأبراج أو شوارع المدينة. أنا مؤمن أن (عسير) لا زالت من قلائل جيوب الخارطة العربية القادرة على الترويج لسياحة الاكتشاف. هذه متعة سياحية لا توصف تستطيع تقديمها عبر مئات القرى المتناثرة على سفوح الجبال بكل ما تحمله من التنوع البيئي والعمراني المدهش.
أبها هي سياحة تباشير الصباح لا المساء، لكن سياحة الاستكشاف التي أشرت إليها تحتاج إلى تغيير نمطي لثقافة السائح نفسه، وهذه هي الحقيقة.
أنا أيضا مؤمن بأن عسير لا زالت من بين القلائل التي تستطيع توظيف رصيدها الفلكلوري الواسع الطيف كميزة ذاتية فريدة، لأنها وإلى حد ما لم تكن منطقة إغراء هجرة مما ساهم في تماسك نسيجها الاجتماعي وحفاظه على موروثه وتقاليده. قد يقول البعض لكن هذا مؤشر سلبي، وسأجيب: نعم، ولكن هذا ليس نطاق نقاشنا اليوم. 
تستطيع أبها وكل عسير -وهذا هو الأهم- استغلال المناسبة كمدخل إلى عالم الاستثمار السياحي والاقتصادي، وهي في هذا تستطيع تقديم عشرات الفرص الذهبية لأفكار شتى لا زالت بكرا في منطقة سكانية مكتظة ومجتمع ينتمي قطاعه الواسع بالتقريب إلى الطبقة المتوسطة، وهذه هي بالتحديد شريحة الاستهداف الاستثماري. 
أبها -وكما قال عراب المناسبة الأول الأمير فيصل بن خالد من قبل- ستنظر للحدث على أنه خطوة تسويق جديدة، وهو عازم بالفعل على كسر قيود وعوائق الاستثمار، ومستعد لأن يقف بنفسه بين يدي كل قادم إلى هذا المجال مهما كانت التحديات التي تواجه المستثمر.
الخلاصة أن أبها تدخل المناسبة لا من باب التشريف ولكن من النافذة الضيقة لإرادة التغيير من نافذة الإرث السياحي الطويل إلى بوابة مستقبلها المضمون في عالم السياحة.