هنري زغيب

زارنا الفرحُ العميم حين رأَينا وزراءَ هذه الحكومة عقدوا عزمَهم النشيط على عقد جلساتٍ متتاليةٍ لدراسة "مشروع موازنة 2017"، راحوا يَـحضَرونها أَو يتغيَّبون عنها بعُذر وبغير عُذر، فَصِحنا في غبطة السعادة أَنّ الدولة استفاقت بعد غفوة 12 سنة (منذ 2005) وقرَّرت طردَ قاعدة الاحتساب الاثني عشَري، والتزامَ نظام الموازنة كما في دُوَل الناس الذين انتقلوا من دويلات المزرعة إِلى هيبة الدولة.

أَبرز المواد البديهية في الموازنة: إِيجادُ مواردَ لخزينة الدولة تُتيح لها تأْمين كتلة نقدية لَلصرف على مشاريعِ تنميةٍ تُنشِّط الدورة الاقتصادية في البلاد، وتُوجدُ فرصَ عملٍ تَـحُدُّ من هجرة الأَدمغة والجيل الجديد. وبين أَهم تلك الموارد: تشجيعُ الاستثمارات وتنشيطُ مرافقِ السياحة. فأَين نحن من هذين المورِدَين؟
الموردُ الأَول متعلِّق بأُمورٍ لا مكان لبسْطها هنا. يـبقى موردُ السياحة: فيما يَجهد مسؤُولو قطاعها لتأْمين متطلّباتها بين مرافق ومرافئ، طالعَنا مشروعٌ في الموازنة ببند صاعق يضاف إِلى المادة 72، وفيه: "يُفْرَضُ على المسافرين بطريق الجو رسْمُ خروجٍ قدْرُهُ..." ويفصِّل البندُ قيمةَ الرسم بحسب طول مسافة الرحلة.
هكذا شعَّت أَفكارُ وزرائنا السنيّة. يعني أَن نقول للسائح: "تَعَا ولا تجي"، أَو "تَعا ولا تروح"، أَو "لا تجي اليوم ولا تجي بُكرا".
السائحُ الذي نتفجَّع إِذا أَعاقت مجيئَه أَحداثٌ أَمنية، ونركض باحثين عن حالةٍ هادئةٍ كي نستعيدَه، ويدور رئيس الجمهورية على الدول كي يُؤَكِّد سلامة الوضع في لبنان ويَنزَعَ التخوُّف من الأَمن فيسهّل السياحة، ابتكر له وزراؤُنا فكرة ممتازة بــ"ابتكار" ضريبة تتصيّده وهو يغادر المطار. عندئذ: ما جدوى الجذب السياحي؟ وما قيمة سماء صافية وجبال خضراء وهواء منعش ومطبخ لبناني مميَّز وكل ما يغري السائح بزيارتنا، إِن كنا نَـنصب له فخًّا على باب خروجه من المطار؟
طبعًا ليس المقصود هنا بضع ليرات لبنانية إِضافية على رسم الخروج، بل ارتجال ضريبة كاريكاتورية والعُقمُ في البحث عن موارد إِضافية كتشغيل مرفأ جونيه ومطار القليعات ووقْف الهدر الفاجع وحجْب مخصّصات فاحشة ورواتب وهمية ومدفوعات فائضة لـمجالس وطنية وإِدارية ولِـجانٍ ومؤَسساتٍ حكومية عاطلة عن العمل إِلّا في جلسات إِخوانية للدردشة والتنظير السياسي الأَجْوَف حول فنجان قهوة في مكاتب المجالس المزوَّدة طبعًا بـرَفاه الهواتف وشبَكات الإِنترنت لتوفير كلْفتها الشخصية على جيوب أَعضاء المجالس الأَشاوس.
في"سوبر ماركت" الدولة نطرح مسأَلة "الوجود أَو العدم": فإِما الوجودُ بزيادة الضرائب عشوائيًّا، أَو العدم بالسُقوط مأْساويًّا في هاوية العجز، وهما حلّان يَدُلّان على عُقْم التفكير عند الذين سلَّمهم الشعبُ مصيرَهُ كي ينقذوه أَوَّلًا من العقم وثانيًا من الهدر وأَخيرًا ودائمًا من أَهوال المصير.