جون أوثرز 

جميعنا نحب الأرقام المقرَّبة. الأسبوع الماضي جلب الرقمين 2400 و21000 - رقمان قياسيان جديدان لمؤشري "إس آند بي 500" و"داو جونز الصناعي" على التوالي، في الوقت الذي تدخل فيه أسواق الأسهم الأمريكية فترة اندفاع صعودي أخرى.


رقم مقرب، هو 2.5، يمكن أن يكون أكثر أهمية من الرقمين السابقين. هذا الرقم هو نسبة العائد على سندات وزارة الخزانة القياسية لأجل عشر سنوات. لا يزال الرقم بعيدا جدا عن مستوى 3 في المائة الذي وصل إليه قبل ثلاثة أعوام. ويشير هذا، كما يفسر روبن ويجلزويرث في مقال آخر، إلى أن مستثمري السندات لا يصدقون الإثارة بخصوص النمو في سوق الأسهم.
تفرض سوق السندات بدورها نفوذا هائلا على أكثر الأسواق كثافة من حيث التداولات: سوق العملات الأجنبية. حاليا تتمتع الولايات المتحدة بتصاعد مذهل، في الوقت الذي يعِد فيه رئيسها بأن يضع "أمريكا أولا". لكن الدولار الذي يعد أعلى من قيمته الحقيقية يمكن أن تكون العقبة الأكبر.
يبدو المنطق بسيطا. إذا أصبح الدولار أكثر تكلفة، حينها ستكون السلع الأمريكية أكثر تكلفة بالنسبة إلى الأجانب، وستصبح البضائع الأجنبية أرخص بالنسبة إلى الأمريكيين. وهذا بالتالي يشجع الواردات في الوقت الذي يثبط فيه الصادرات – وهو النقيض المباشر لأجندة التجارة النشطة التي وضعتها الإدارة الأمريكية الجديدة.
منطق السوق قوي أيضا. أولا، هناك الأساسيات التي تتأثر بسعر المال، كما تحدده سوق السندات. ويغلب على المال أن يتدفق إلى المكان الذي يمكنه فيه تحقيق العائد الأعلى. وهذا يقودنا إلى أشهر الاستراتيجيات لتحقيق الأرباح في سوق العملات الأجنبية التي تعرف باسم "تجارة المناقلة".
هذا النوع من التجارة يفشل فقط إذا تراجعت العملة المستهدفة. وبما أن تأثير تجارة المناقلة هو إضعاف العملة ذات العائد المنخفض على حساب العملة ذات العائد الأعلى، فإن المتعاملين بتجارة المناقلة أنفسهم هم من يساعد في إيقاف هذا الأمر من الحدوث لفترة طويلة. قبل الأزمة المالية تم وضع أموال كثيرة في "تجارة المناقلة بالين" أدت إلى تراجع العملة اليابانية في الوقت الذي كانت تتدفق فيه الأموال على بلدان استفادت من تزايد أسعار السلع في ذلك الوقت، مثل البرازيل وأستراليا.
في الوقت نفسه، فوارق العائدات بين السندات الأمريكية والأوروبية متطرفة تاريخيا، لذلك لا يوجد البتة مجال لتحقيق ربح أكبر من خلال أخذ المال من أوروبا وتوجيهه إلى الولايات المتحدة. مقارنة بالسندات الألمانية حققت سندات الخزانة الأمريكية عائدات أعلى بواقع 1.95 نقطة مئوية، وهو أعلى معدل منذ إعادة توحيد ألمانيا. ومقارنة بالسندات في المملكة المتحدة كانت عائداتها أعلى بواقع 1.25 نقطة مئوية، التي هي أعلى نسبة على الإطلاق.
يأتي الآن دور الاحتياطي الفيدرالي. تم تفسير وابل من التعليقات التي أدلى بها المسؤولون الأسبوع الماضي بأنها جهود منسقة لتمهيد الطريق أمام زيادة سعر الفائدة الأساسي في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل، المقرر في 14 آذار (مارس) الجاري.
في الأثناء، لا يزال كل من البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان يتدخلان للحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة، كشكل من أشكال التحفيز لسوقيهما. كل هذه العوامل تجتمع لدفع الدولار نحو مستويات أعلى.
من جانبه، لم يقدم الرئيس دونالد ترمب الأسبوع الماضي كثيرا من التفاصيل بخصوص خططه المتعلقة بالتحفيز من المالية العامة، لكن مزيدا من الإنفاق على الدفاع والبنية الأساسية، أو التخفيضات الضريبية، من شأنه أن يفرض مزيدا من الضغط التصاعدي على أسعار الفائدة، وبالتالي على الدولار. أما فرض الرسوم الجمركية، أو استخدام النظام الضريبي لجعل الواردات أقل جاذبية، فيغلب عليه أن يتم تجاهله من قبل سوق العملات الأجنبية، ومرة أخرى هذا يدفع الدولار في اتجاه صعودي.
يفضل كثير من متداولي العملات الأجنبية النظر إلى "الأمور الفنية" - أنماط واتجاهات عامة تظهر في الرسوم البيانية الخاصة بالأسواق. وتوضح هذه أن الدولار يتحرك في دورات طويلة.
الرسم البياني يبين مؤشر الدولار "واسع النطاق"، من خلال مقارنة الدولار بمجموعة واسعة من العملات المرجحة وفقا لحجم التجارة التي تتعامل بها العملات في الولايات المتحدة. هذا تعديل "حقيقي" لاحتساب التضخم، وبالتالي يمنح الإشارة الأفضل لمدى تأثير العملة الكبير عند أي نقطة على الوضع التجاري الأمريكي.
يمكن أن نرى أن الدولار لا يحظى بقوة كبيرة الآن من الناحية التاريخية، لكن الشكل الماضي يشير إلى أنه يمكنه بكل سهولة الارتفاع بشكل أكبر بكثير. مارك تشاندلر، من "براون براذرز آند هاريمان"، يشير إلى احتمال أن يتوقف الدولار قبل أن يصل إلى ذروته التي بلغها خلال فترة رئاسة كلينتون، الأمر الذي يعني حدوث ارتفاع كبير في القيمة يبلغ نحو 10 في المائة.
ما كان يبدو في الماضي ارتفاعا لا مرد له في الدولار أصيب بالتقلب منذ مطلع العام، في الوقت الذي كان فيه أعضاء مختلفون في الإدارة يقللون من أهمية العملة. لكن إذا حصل النمو كما هو متأمل، وارتفعت أسعار الفائدة وعائدات السندات الأمريكية، حينها سيرتفع الدولار.
سيكون ذلك نعمة بالنسبة إلى أوروبا واليابان اللتين يمكن أن تستفيدا كثيرا من الصادرات الأكثر تنافسية. ستبدو أسواق الأسهم لديهما جذابة، لكن يمكن أن يكون الأمر صعبا على بعض الأسواق الناشئة، لأن ذلك يمكن أن يزيد الضغط على السندات المقومة بالدولار الصادرة عن الشركات والحكومات. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن ذلك يمكن أن يضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي ويضعف أيضا أرباح الشركات، ما يعرض الاندفاع الصعودي المجيد في سوق الأسهم إلى الخطر. 
في حال قرر الاحتياطي الفيدرالي أن يقطع شوطا أكثر من قبل ويرفع أسعار الفائدة ثلاث أو أربع مرات هذا العام، وفي حال اجتاز العائد على السندات لأجل عشر سنوات حاجز 3 في المائة، أو تحول إلى 4 في المائة خلال فترة قصيرة، عندها يمكن أن تتعرض التناقضات في الأسواق العالمية إلى تصحيح سريع ومؤلم. الأرقام المقربة التي يجدر بنا أن نقلق بشأنها أكثر ما يمكن هي 3 و4.